عمار يا مصر
بعد فوز ترامب برئاسة أمريكا ، وبعد تصريحاته عن مصر وعن السيسي خرج علينا أحد هؤلاء الذين يمارسون التضليل يقول ( كده انتهت المؤامرة ، ومالكوش حجة ، ومفيش شماعات لتبرير الفشل ) موجها حديثه للنظام ، ونسي الجهبز القارئ للتاريخ كما يزعم أن المؤامرة ليست في حوزة رئيس أمريكا وحده .. لكنها هدف قديم يتجدد ولن يتوقف مهما تغيرت أسماء الحكام في أمريكا والغرب !
فبينما أقرأ بعض ما كتب عن (مبادرة الشرق الأوسط الكبير ) توقفت أمام بعض العبارات التي تمر مرور الكرام علي هؤلاء الذين يشككون بكل أساليب التشكيك في وجود مؤامرة علي المنطقة العربية بدأت من مسافة بعيدة وعلي أرض غريبة عن الأراضي العربية حتى يبدو الأمر وكأن ما سوف يحدث للمنطقة مجرد تداعيات وآثار جانبية لما حدث في أفغانستان وليس من ثمانينيات القرن الماضي
تلك العبارات التي يعتبرها هؤلاء المشككون مجرد أوهام نتخيلها جاءت علي ألسنة صناع المؤامرة والمستفيدون من نجاحها وتحقيق أهدافها ، حيث أعتبر بوش أن فترة ما بعد إسقاط طالبان في أفغانستان نموذجاً للتغيير السياسي، وأعرب عن اعتقاده بإمكانية تكرار التجربة في دول أخرى بإقامة مؤسسات ديمقراطية وقال إن هذه التجربة تشكل ميراثا يجب العمل من خلالها لتغيير ما سماه عادات العنف والخوف والإحباط التي غرست بذور الإرهاب وأدت إلى نموه في الشرق الأوسط.. وانه من الضروري إقامة المؤسسات الديمقراطية التي تستجيب لتطلعات الشعوب !
والمتابع لما حدث في أفغانستان يري بأم عينيه كيف أصبحت أفغانستان وأين هو النموذج السياسي الذي جعل أفغانستان دولة قادرة وفاعلة في المجتمع الدولي ، وأين هي المؤسسات الديمقراطية فيها .. اللهم إلا إذا كان المطلوب هو تكرار نموذج الهدم والفوضى ، وأن يصبح ما حدث بها ميراثا – كما قال بوش – لصناعة الخوف والإرهاب والإحباط وتصديره للمنطقة العربية وهو ما حدث بالفعل وما زال يحدث في العراق وسوريا واليمن وليبيا وكل دول المنطقة التي استقبلت المتطرفين من أفغانستان !
ولعلنا لا ننسي كيف بدأت المبادرة ( المؤامرة ) وكيف تم الترويج لها من قبل الساسة الأمريكيون، بدءاً بالرئيس جورج بوش ونائبه ديك تشيني، ومروراً بوزير الخارجية كولن باول ومستشارة الأمن القومي رايس، ومن ثم وزيرة الخارجية وانتهاءً بكبار المسئولين في البيت الأبيض ووزارة الخارجية ومراكز صنع القرار الأخرى لتشمل المنطقة الممتدة جغرافياً من موريتانيا غرباً إلى أفغانستان شرقاً، مروراً بإسرائيل وتركيا وإيران ، وهنا علينا أن نركز النظر في ( مرورا بإسرائيل ) لأن الهدف الأساسي من هذه المبادرة المؤامرة هو مصلحة إسرائيل حيث سبق وأن طرحت إسرائيل رؤية علي لسان رئيس وزرائها الأسبق شيمون بيريز في أوائل التسعينيات والتي كانت تطمح في الظاهر إلى جمع دول الشرق الأوسط في سوق مشتركة، كحل نهائي للنزاعات بين إسرائيل والعرب ويتم دمج إسرائيل في المنطقة بعد إعادة صياغتها وتشكيلها وتصبح إسرائيل هي الدولة المهيمنة والمسيطرة على مقدرات المنطقة كونها رأس الجسر للمشروع الغربي الاستعماري منذ إقامتها في عام 1948 !
ومع أن الجميع يعرف هذه المعلومات ويرددها طوال هذه العقود الفائتة إلا أن البعض نسيها أو تعمد نسيانها، بالرغم أن بيريز كشف عن نية إسرائيل في مارس 1995 في مقابلة صحفية أن هدف إسرائيل المقبل يجب أن يكون الانضمام إلى جامعة الدول العربية وقال : أعتقد أن جامعتهم (العربية) يجب أن تُسمى جامعة (الشرق المتوسط)، وعندئذ يمكن لإسرائيل أن تنضم إليها ونحن لن نصبح عرباً، ولكن الجامعة يجب أن تصبح شرق أوسطية… لقد أصبحت الجامعة العربية جزءاً من الماضي !
ومع ذلك ما زلنا نري البعض ينكر المؤامرة رغم أن تأمل الصورة لدقائق يؤكد ذلك ، فالمنطقة تشتعل من غربها إلي شرقها منذ اندلعت ثورات الربيع العربي – حسب رؤية زعماء المؤامرة – والدول حول إسرائيل تتفتت وتتلاشي جيوشها وتعج المنطقة بالتطرف وميليشيات المعارضة المسلحة ، ولا تنطلق رصاصة واحدة تجاه إسرائيل لأنها تنام بين أحضان دول الطوق النظيف !
المؤامرة اصطدمت موجاتها العاتية بالصخرة المصرية ، وكان 3 / 7 /2013 يوما فارقا وسدا مانعا للموجة العالية للمؤامرة التي كانت فصولها في مصر ستبدأ بعد هذا اليوم بيوم أو بيومين ، لذلك يواجه السيسي وتواجه مصر كل هذه التحديات ، وتدفع مصر أثمانا باهظة بسبب قدرتها علي كشف المؤامرة وإفسادها وإيقافها .. هل تتوقف التحديات والمؤامرات علي مصر ؟ .. الإجابة لا ، وهل تستطيع مصر أن تصمد وتصد وتنتصر ؟ .. الإجابة بلا تردد نعم تستطيع .