محمد يوسف العزيزي يكتب… “قانون القوة !!”

ونحن نتحدث عن الدولة المدنية الحديثة أو دولة القانون علينا أن ننتبه بشدة إلى أنه يوجد نوعان من الناس ينظران إلى القانون نظرة مختلفة.
النوع الأول يؤمن بقوة القانون.. والثانى يؤمن بقانون القوة.. وشتان الفارق بين الإثنين!! فالأول يرى أن بناء الدولة الحديثة يعتمد فى الأساس على ترسيخ دولة القانون الذى يضع الجميع أمامه.. كبيرا أو صغيرا.. وزيرا أو خفيرا.. رئيسا أو مرءوسا.. مسلما أو مسيحيا .. يمينيا أو يساريا.. الجميع سواء بسواء، المهم أن يكون مصرى الجنسية والانتماء.
ويرى أيضا أن سيادة القانون سوف تحقق العدالة المطلوبة.. ومن ثم يقوى الانتماء الذى يدفع باتجاه بناء الدولة العصرية الحديثة.. ويرى أيضا أن دولة القانون ستحقق استقلال القضاء الذى يحقق العدالة ويعلى الكرامة ويرعى حقوق الإنسان، ويرى كذلك وهذا هو الأهم أن دولة القانون هى الدولة التى تستطيع بثبات الانتقال إلى الدولة الديمقراطية الحديثة التى ينتشر فيها الرخاء وتتحقق فيها الآمال.. لذا فإن الإيمان بقوة القانون هو الضمان الوحيد للشعب فى مواجهة محاولات إفشال الدولة.
أما النوع الثانى الذى يؤمن بقانون القوة والذى – للأسف الشديد – نراه اليوم يمارس كل أنواع الخروج على القانون والعرف والتقاليد يرى أن القوة هى السبيل لتحقيق أهدافه فى السطو على الوطن وعلى مقدرات الناس وابتزازهم فى وضح النهار تحت سمع وبصر الدولة بكل مؤسساتها الرقابية والتشريعية والتنفيذية والقضائية!
فالرقابة كثيرًا ما تتراخى وكثيرًا ما تتعارض مع بعضها البعض، والتشريع لا يواكب أو يساير ما يجرى على الأرض من متغيرات تستلزم تعديلات سريعة وحاسمة لبعض القوانين التى لم تعد تصلح مع الجرائم الجديدة، والتنفيذ يده مرتعشة فى أغلب الأوقات ويخاف الرأى العام كثيرًا إلى جانب العشوائية فى المعالجات وردود الأفعال، والقضاء يتصف بالبطء الشديد فى تداول القضايا والأحكام وهو محكومة بالقانون ولا يريد تعديله أو طلب تعديله من السلطة المختصة، فيظل المتهم يحاكم بالسنوات وهو معترف بجريمته، ولهذا ينمو ويترعرع منطق قانون القوة، ويحتمى من يلجأون له بكثرة المال والعلاقات والنفاذ إلى مخزون الدولة العميقة فى تمرير ما يريدون.
استخدام قانون القوة مزق جسد الوطن وجعله ينزف نزفا غزيرا، وجعل الأغنياء يزدادون غنى والفقراء يزدادون فقرا.. قانون القوة يعرض الوطن للضياع غير عابئ بتاريخه وحضارته.. قانون القوة سوف يخلف جراحا عميقة لن تندمل فى الباقى من أعمارنا وسوف يرثها الأبناء والأحفاد فى قادم أيامهم!
قانون القوة يمكن أن يكون أى شيء.. المال.. النفوذ.. الرشوة.. الوساطة.. البلطجة.. الصوت العالى والحنجورى.. النافذون على الإعلام.. العلاقات المشبوهة مع رجال من السلطة.. وهلم جرا كل ما يخالف العرف والتقاليد والقانون!
هل تنتصر قوة القانون فنحقق الأهداف قبل فوات الأوان.. أم يسحقنا قانون القوة.. فنجد من يقول (فى هذا المكان كان يعيش شعب صاحب تاريخ وحضارة كانت فجر ضمير العالم ونوره فى عز ظلام الليل الذى كان يلف العالم.. الآن هو مجرد أطلال!) حفظ الله مصر وسلمها من كل سوء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *