ما اصبر المتفائلين, كأنهم عما يحيط بهم جاهلون, كأنما هم يظنون أن رقي مصر تكفي فيه الأماني المجردة بعد يناير2011 ويونيو2013, وبعد ثلاث سنوات من حكم الرئيس السيسى، وكانها نتيجة من نتائج المصادفة, لا نتيجة لازمة لمقدمات عملية من أنواع شتي.
يظلون متفائلين بالخير, منتظرين أنواع الرقي تدخل عليهم من الأبواب كالباسط كفيه إلي الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه. هذا هو حال الشعب المصري بعد الثورة وحتي اليوم, لا ينتجون لا يعملون لا يستثمرون يعترفون بأن الحال الأخلاقية عندنا في اضطراب شديد, بل في انحطاط مستمر, لا مقطوع ولا ممنوع, يعترفون بأن الروابط المجتمعية والوطنية بين الفئات المختلفة تتراخي وتوشك أن تنحل. يعترفون أن روابط العمل والانتماء بين شركاء الوطن قد انقلبت في موضوعها وفي ألوانها.
فموضوعها الشر لا الخير, والمفسدة لا المصلحة, ولونهاالتملق والنفاق, يعترفون بأن حكامنا كأنهم أغراب عنا وهم أبناء مصر الأعزاء, همهم الخروج من المسئولية لا احتمال المسئولية, ودفع الضرر عن أنفسهم لا جلب المنفعة للوطن.
يعترفون أيضا بأن السلطة في شكلها الحاضر كأنما هي لمصلحة جبهاتها لا لمصلحة المحكومين, يعترفون بأن التعليم الذي تقدمه الحكومة بأموالنا لم يخرج لنا جيلا يقوم من اعوجاجنا ويصلح ما أفسده الاستبداد من أخلاقنا. ويفتش عن مواطن الضعف في جمعيتنا فيقومها, يحمل همنا ويكسب ثقتنا, فيجعل من مصر, بعد الثورة وطنا عزيز الجانب بارا بأبنائه, سائرا الي الامام لا راجعا إلي الوراء
يعترفون بأن أبناءنا المتعلمين نحن نطعمهم ونحترمهم, وهم في مقابل ذلك يدفعون لنا وعودا بأنهم عاملون علي خيرنا, ولكننا مع ذلك نجد منهم امرءا فضل الاستقالة من وظيفة علي ان يوقع أمرا يقول هو عينه في مجالسه إنه ضار بالبلاد, لا يريد العمل أو يقول يدي مكتوفة بل هي والحق مرتعشة.
يعترفون بذلك كله, ولكنهم مع ذلك علي3 تفاؤلهم عاكفون. ينكرون الحس, ينكرون بأفواههم ما تعترف به ضمائرهم, بل هم يعترفون بحالتنا السيئة وهم صادقون.
ثم يزين لهم مذهب التفاؤل أننا علي الرغم من ذلك كله سائرون إلي الأمام بعد ثورة أسقطت كل الحواجز التي كانت تعوق التقدم والتنمية, فما اصبرهم علي التناقض في أفكارهم وأحكامهم, الا ساء ما يحكمون؟ كذلك يقول المتطيرون عن المتفائلين, أما المتفائلون فإنهم علي غير ما يقول المتطيرون يقدرون الحال تقديرا لا تشوبه الحدة ولا تبالغ فيه العجلة في النظر. يرون حقيقة الأمر شيء فشيئا, فيرون أن عاداتنا وأخلاقنا, بل وشخصياتنا القومية جميعها( بعد الثورة وحتي الآن), قد قل فيها التجانس وكثر فيها التضاد والتصادم وغلب عليها طابعقانون الغابة. يرون حقيقة أن قوتنا في بلادنا تتضاءل مع الزمان, حتي أن وزارتنا التي هي مظهر القدرة الأهلية في مصر, لا تشبه وزارات الدول الكبري في مواجهة الصعاب والازمات, كونها تملك شيئا من السلطة تستخدمها لمصلحتنا نحن الشعب.فهل هي حقا مرتعشة الايدي كما يقال!
يرون كل ذلك, ولكنهم يرون معه أن هذا الاضطراب والأيادي المرتعشة دليل علي المرحلة الانتقالية ومن المستحيل عندهم أن يكون الانتقال الي حال أقبح من الحال الحاضر, بل الانتقال صائر إلي حالة أحسن من هذا الحال. لأن مشخصاتنا القديمة كانت في ظاهرها متجانسة ومتماسكة, ولكنها في الحقيقة كانت مؤسسة علي الاستبداد والاستغلال والفساد وقهر الطبقات الفقيرة والمتوسطة, فإصلاحها وتغيرها بعد الثورة وانعدام الاستبداد علي صورته الأولي, سبب قوي يحمل علي الاعتقاد بأنها بعد زمان قريب أو بعيد, سيتم الانتقال بالدستور والبرلمان والرئيس الجديد, من الحال التعيسة, حال طبائع عدم الاستقرار والتقدم الي الحال الحسن, اي حال طبائع الاستقرار والتقدم والتنمية.
وهناك يمكن أن ننادي أن مصر العجوز قد صارت مصر الفتاة, وأن مصر المحكومة صارت مصر الحاكمة. وما هؤلاء المتطيرون إلا ضيقو الصدر قليلو الصبر, يتطيرون من الخير ومن الشر علي السواء. ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون.فالخير قادم والبينة علي من ادعي, فنحن لسنا في حاجه الي ثورةثالثة بلنحن في حاجة الي ثورة في العقول علي كل المستويات, وإرادة سياسية صادقة ومخلصة لمصرولا شيء غير مصر.
د.ايمن رفعت المحجوب