بعض من قادة الرأي العام في مصر ممن يطالب بالتغيير حالا وهم من غير خطة أو معدات لهذا التغيير من جانبهم. وكأن التغيير يحدث بندوة أو خطاب أو بمؤتمر أو بحديث صحفي او مقالات تكتب في الصحف المصرية أو الأجنبية.
هذا بعينه, أدي إلي أن القائلين به يقطعون كل علاقة مع الوطن ويتجاهلون السلطة الفعلية للبلاد( اتفقت أو اختلفت معها), ويقيمون القيامة علي كل رجل مصري يذهب للعمل أو الإنتاج ويريدون الثبات( أو الاعتصام المدني حتي التغيير). ولئن وقع فريق الرأي العام المطالب بالتغيير حالا في هذا التناقض فليس عليه مسئولية عظمي, إنما المسئولية العظمي علي الذين كانوا يقودون هذا التناقض المضحك( يطلبون التغيير ويدخلون مجالس من يريدون تغييرهم), وهم معروفون بالاسم والانتماءات السياسية.
كلنا متفق علي التغيير ولكن في الموعد المحدد, في صناديق الانتخابات والاستفتاء والتي تأتي بعدها تغيرات متتالية في كل نواحي الحياة السياسية والاجتماعية و الاقتصادية, كلنا متفق علي وجوب إنماء الفضائل السياسية والاجتماعية أولا في بلادنا حتي نجني ثمارها المفيدة, وأخصها التضامن القومي الذي يتوقف عليه كل عمل عام في الحاضر والمستقبل. تضامن المصري مع المصري( لا فصيل مع فصيل او ضد فصيل آخر), واحترام المصري للمصري( مسلما كان أو مسيحيا), وثقة المصري بالمصري( بصرف النظر عن خلفيته الأيديولوجية). لكن من كتابنا وساستنا من قادة الراي العام للأسف من لم يترك مصريا من أولي المقام المتين في السلطة أو في العلم أو في الخلق, إلا شهر به لأدني شهوة. والشبان من طهارة قلوبهم وبراءة نفوسهم, يصدقون بغاية السهولة قدح الجرائد والإعلام في إخلاص رجال البلاد أو في كفايتهم المتنوعة, حتي نتج عن ذلك أننا أصبحنا والحمد لله, نكاد نكون مجردين من وجود رجال مسئولين بالمعني الحقيقي( يمكن أن نحاسبهم), يمكن الثقة بهم من غير تظنن ولا شكوك. فإذا وجدت الرأي العام قليل الثقة في إخلاص الأشخاص القادرين( ولا اقصد هنا رجالات السلطة فقط) في البلاد, الذين كان من المفترض أن يكونوا كاسبي ثقته, فلا تلم الرأي العام بل أعذره فإن قادته هكذا علموه, ولم يتركوا في أهل البلاد موضع ثقة.
إن هذا الإسراف من هؤلاء الكتاب في التعبير عن معني التغيير غير واضح المعالم عندهم تكرارهم ذلك في كتاباتهم المنتديات, وبعض الاحزاب والجبهات, يعلمون معني هذا العداء اللفظي أو الأفلاطوني الذي لا يهيج طائرا, ولا يحرك ساكنا, فخطة الطريق واضحة و العالم كلة ينظر الينا لماذا هذا العبث الآن. لكن الأحداث في العوام الذين لم يستطيعوا تقدير مركز الوطن الحساس في هذه المرحلة, يأخذون هذا اللفظ علي أشد معانيه, وربما أدي ذلك إلي أعمال صبيانية كما حصل من قبل في الأمس القريب, حيث اصبح حلفاء الامس في الميدان اعداء اليوم في نفس الميدان.
كل هذه الأمور تؤخر مصر في طريقها إلي الرقي المنشود بعد الثورة, وتجعلها تفقد بقية الأمل في المستقبل, فيموت فيها الشعور بالقومية المصرية, وهذا ما لا نريده, إذ لا حياة إلا بالأمل في الاصلاح والتغيير الي الافضل في الوقت المناسب. فإذا كانت فرصة ظهر فيها الرأي العام منشقا علي نفسه في فهم معني التغير الحقيقي في مصر, فالمسئولية راجعة علي المسرف في اللفظ, الذي يخبط قلمه او خطابه مكبا علي وجهه من غير استعداد ولا احتياط.
إن رقي البلاد متوقف علي فهم الرأي العام لوجود طريقة واضحة, لا أقول فهمه للمسائل الدقيقة للتغيير.( هذا دور قادة الفكر والرأي العام من الكتاب و الساسة), بل لأمهات المبادئ والعامة الضرورية للرقي السياسي, حتي تصبح هذه المبادئ شاغلة محلا من شعوره, فيؤمن عليه من الخطأ في الحكم علي الحوادث الكبري, كما في البلاد المتقدمة.
عندنا الآن الوقت الحاضر مناسب جدا لتحديد أغراض الأمة من حياتها المستقبلية بعد الدستور, والوسائل المشروعة النافعة لنيل تلك الأغراض قريبة جدا, فالاستفتاء و الانتخابات قادمة لا محالة أعدوا لهما العدة, انزلوا الشوارع وجوبوا المحافظات, احشدوا الرأي العام وكونوا قواعدكم الشعبية, ليكن لكم صوت يسمع تحت ويجاب, بدل من إهدار الأحبار علي الورق واضاعة الجهد في خطابات المكاتب المكيفه, ان ارض الواقع في انتظاركم فلا تتأخروا فقد سبقكم اليها من تريدون تغييره. وعلي الشبيبة المصرية يقع جزء عظيم أيضا من وجبات, تحدد المقاصد والوسائل علي وجه مستقيم خال من التناقض, كافل السير إلي الأمام في ترقي البلاد لصالح الكل وليس الجزء, ان مصر يجب ان تكون لكل المصريين, وأنتم ياشباب مصر فاعلون ذلك بإذن الله. فلا نحن في حاجة الان الي عناد الاطفال أو ديكتاتورية الكبار