فى حى الحسين .. وفى يوم الاثنين 11 ديسمبر عام 1911م كان مولد أديبنا الرائع على المستوى الإنسانى والمبدع فى المجال الثقافى والأدبي ” نجيب محفوظ”, والذى تألقت عبقريته تحديدا فى فن كتابه الروايه من ناحية تنوع الأساليب ما بين الواقعية والتجريدية والفلسفية, وذلك بلغة مميزة جدا كان هو أول من إستحدثها, مستخدما إياها فى رسم عدد من الشخصيات الخالدة فى وجداننا إلى يومنا هذا والتى كان أشهرها على الإطلاق شخصية السيد أحمد عبد الجواد أو “سى السيد” وأيضا شخصية زوجتة “أمينة” فى “الثلاثية” … تلك الرواية التى جسدت الواقع لمعاش فى تلك الفترة بصورة أدبية بليغة و مليئة بتفاصيل إنسانية كثيرة جدا إكتسبت أبعاد متعددة لتصل لإعماق الأحوال الإجتماعية والسياسية والإقتصادية فى المجتمع المصرى آنذاك, ولعلى أرى أن سر عبقرية “نجيب محفوظ” يكمن بالأساس فى شخصيتة التى إتسعت الجميع, تلك الشخصية المنظمة جدا والمتشعبة جدا أيضا, وأزعم أنه كان عبقريبا على المستوى الإنسانى بقدر عبقريته على المستوى الإبداعى.
وكم تخيلت كثيرا بل وتمنيت أيضا أن أعيش فى زمانه الجميل, وألتقى به فى مقهى “بترو” بالأسكندرية، فقد إختاره “نجيب محفوظ” نظرا لقربه من منزل صديقه القريب “توفيق الحكيم” حيث كانا يلتقيان هناك من حين لآخر – وإمعانا فى الخيال- أجلس معه تحديدا فى ” ركن الحكيم” الذى اقترح هو فكره تأسيسه, والذى أصبح يؤمه فيما بعد نخبة من أصدقاء “الحكيم” و”محفوظ “من المهتمين بالآداب والفنون والثقافة بشكل عام وأيضا عدد من الباشوات وكبار الشخصيات مثل “شمس الدين باش عبدالغفار” وبرهان باشا نور” وغيرهما الكثير.
وإمعانا أكثر فى الخيال … أنظر إليه بإبتسامة إعجاب شديد للغاية, يغلفها صمت لعدة لحظات أتأهب خلاله كى اسأل “أمير الرواية العربية” سؤالا “بصيغة الطلب” كثيرا ما دار بخاطرى, أسأله أياه وكلى حماس لسماع الإجابة : أستاذى الكبير (حضرة المحترم) الذى ليس لإبداعه (بداية ونهاية) …لعل سؤالى هذا أشبه ب (ثرثرة فوق النيل) .. فكما تحدثت فى ( قلب الليل) عن ( الحب تحت المطر) بحديث ك (حديث الصباح والمساء) عندما كنت ب ( الكرنك) فى وسط ( أولاد حارتنا) هناك وبعيدا عن ( اللص والكلاب) …فكم سأشعر بالسعادة والإمتنان إن أخبرتني ب (بهمس الجنون) عن : دور المثل الأعلى فى حياتك من الجيل السابق.. ومن تأثرت بهم من الشخصيات وأثروا وجدانك؟ ….
وينظر لى أستاذى وهو يبتسم إبتسامتة المعهودة .. تلك الإبتسامة اللطيفة الهادئة التى أعتدناها منه , ثم يشرد بعينيه قليلا وكأنه ينظر نظرة حنين لماضى بعيد … ووسط دخان السجائر وأنغام الموسيقى بالمقهى يتحدث لى بالآتى:
عزيزتى هبه ….دعينى أتوقف فى البداية عند نقطة هامة جدا , ألا وهى أن هذا الجيل من الأساتذة الكبار لا يمكن أن يتكرر أبدا فى ظل ما نسمع عنه الآن من المستوى الذى إنحدر إليه الجيل التالى! ويستكمل … حيث كان هذا الجيل من الأساتذة متمكنا من عمله, وعلى درجة كبيرة من الثقافة والموهبة, مما إنعكس بالطبع علينا نحن تلاميذ ذلك الزمن. وكان فى مقدمة هؤلاء الأساتذة الذين علمونى وتأثرت جدا به الشيخ “عجاج” أستاذ اللغة العربية بمدرسة فؤاد الأول الثانوية….
ولحديثه بقيه.