عمار يا مصر
هل كان ضروريا أن يسقط محمود بيومي قتيلا علي مرأى ومسمع من الناس وأمام خطيبته في مشاجرة بكافيه شهير بمصر الجديدة عقب مشاهدة مباراة مصر والكاميرون في نهائي بطولة أفريقيا، بعد أن حدثت مشادة كلامية بينه وبين عمال الكافيه حتى ننتبه إلي خطورة ظاهرة انتشار الكافيهات التي يحرسها فتوات يطلقون علي أنفسهم بودي جاردز ؟ هل كان من الضروري أن تسيل دماءه لينتبه المسئولون لخطر داهم ينمو ويترعرع تحت أعينهم يحتاج وقفة جادة لمواجهة البلطجة التي تحمي الفساد ؟ هل تثير دماء محمود حفيظة مجلس نوابنا الموقر لإصدار تشريع يقنن ظاهرة ( البودي جاردز ) التي انتشرت وحلت محل وظيفة الأمن العام ، ويشدد عقوبة التجاوز من السجن المشدد إلي الإعدام في حالة إزهاق الروح لأي سبب بدلا من التحايل واعتبار مثل هذه الجرائم ضرب أفضي إلي موت أو قتل خطأ ؟
الإعلام اهتم بالواقعة كجريمة قتل وراح يبحث في سبب المشاجرة التي أفضت إلي القتل ، واهتم بتفاصيل هل كانت الجريمة داخل الكافيه أم خارجه ، وتدخل محامي صاحب الكافيه لمحاولة إثبات أن الجريمة وقعت في الشارع ليحقق بذلك شيوع المسئولية وتتوه القضية ، وتتضارب شهادات الشهود بين شهادة لوجه الله وشهادة زور من شاهد باع ضميره ببضعة آلاف من الجنيهات ، وتنتقل القضية من قاض إلي آخر ، ومن جلسة إلي أخري ، وربما تنتهي بقتل خطأ أو ضرب أفضي إلي الموت ، ويسدل الستار وينصرف المتفرجون .. المسرحية هزلية أو بكائية .. لا فرق .. فقد انتهي الوقت !
كعادتنا دائما في مثل هذه المآسي .. تبات نار تصبح رماد .. وغدا وبعد غد أيام حبلي بمآسي جديدة سرعان ما تمر ويبقي منها بعض الذكري ، وعندنا الذكري لا تنفع المسئولين طالما أن القانون لا يحقق الردع والأحكام تفقد قيمتها !
فور وقوع الجريمة أو بعدها بساعات قليلة استفاقت الأجهزة ، واستفاق رؤساء الأحياء وكان علي رأسهم بالقطع رئيس حي مصر الجديدة ، وصدرت التعليمات بتسيير حملات مكبرة لمراجعة المخالفات الموجودة في الحي ، وبسرعة تم إغلاق بعض الكافيهات المخالفة ، واكتشفت الحملات أن البعض منها بلا ترخيص رغم ممارسة نشاطها ، ورغم مئات الشكاوي التي قدمها السكان في أماكن كثيرة .. يومين أو ثلاثة وتصاب الحملات بالإرهاق ، ويومين أو ثلاثة وتنتفخ جيوب المسئولين في الأحياء عن متابعة هذا الأمر بالأموال ، وتأخذنا دوامة الحياة .. والحي أبقي من الميت ، والدنيا لن تقف علي قتل محمود بيومي فالعشرات يموتون كل يوم وكل ساعة ولا حس ولا خبر !
الاستفاقة حدثت بسبب جريمة قتل بشعة لكن الحملات قامت لإزالة كافة الإشغالات والتعديات والمخالفات وإحكام الرقابة على المحال العامة وفحص العاملين بها على مستوي ميادين وشوارع العاصمة وغلق كافة المقاهي المخالفة وإزالة الأعمال المخالفة والبروزات التي قاموا بإنشائها أو تغيير النشاط الخاص بها بدون ترخيص وقطع المرافق عنها بالتنسيق مع أجهزة المحافظة وكذا التحفظ على كافة الأدوات المستخدمة في الأنشطة بدون ترخيص من كراسي وشيش وخلافه وكانت الحصيلة ! غلق 57 مقهى بمناطق مصر الجديدة ومدينة نصر والنزهة وإزالة الأعمال المخالفة.. كل هذه المخالفات كان يراها المسئولون يوميا ، وكان يحرر بها شكاوي من المتضررين ومع ذلك لم يكن يتحرك أحد ، ويبدو أن المسئولين في بلدنا لا يتحركون قبل أن يفجعهم مشهد قتل أو دماء تسيل علي الأرض ! وربما غدا أو بعد غدا تفتح هذه المقاهي أبوابها !
مسلسل البلطجة والفوضى لن ينتهي فعلي مدار اليوم تحدث اعتداءات علي أرواح المصريين وممتلكاتهم في الشوارع والطرقات ، والبلطجة ليست في القتل فقط .. البلطجة في الاعتداء علي الأرصفة وشغلها ، وفي احتلال أنهار الشوارع وفرشها بالكراسي والترابيزات لرواد المقاهي والكافيتريات ، وفي سرقة الكهرباء وإهدار المياه علي الأرض طوال اليوم ، وفي وقوف السيارات أمام الكافيهات صف ثاني وثالث بمعرفة بلطجي المكان ولا أحد يستطيع الاعتراض ، وفي حجز الأماكن للسيارات بالمخالفة أمام المطاعم والورش وحتى أكشاك البيع غير المرخصة .. ومظاهر من البلطجة لا حصر لها !
أين قانون البلطجة ؟ وإذا كان موجودا فهل يحقق الردع ؟ هل تستمر الحملات علي كل التجاوزات والمخالفات أم أنها ستتوقف بمجرد أن تجف دماء محمود ؟