سوسه هى مدينه تونسيه تقع على شاطئ البحر اﻷبيض المتوسط غايه فى الروعه والجمال الخلاب الذى يخطف القلوب وقد حالفنى الحظ أن أكون زائرا طائرا على بساط الريح فى جوله تحت سمائها وفوق شاطؤها أنظر لهما وأتلفت من خلفى ﻷرى تلك المدينه الهادئه ذات اللون اﻷبيض الذى يبعث اﻷمل والبهجه لناظريه تتدرج مبانيها من أعلى إلى أسفل يكسوها الخضار الذى تنبثق منه الورود واﻷزهار ويختلط نسيمها برائحة الفل والياسمين ليعانق نسيم البحر المشبع برذاذ اﻷمواج الهادئه التى تتهادى إلى الشاطئ لتضع قبلتها على رماله وسرعان ما تودعه لتأتى متهادية موجة أخرى حملت حلم سابقتها الذى كانت تأمل بأﻻ تغادر شاطؤها ولكنها هى اﻷمواج التى ﻻ تستطيع أن تبقى على حالها ما دام قد إحتواها البحر الذى يأتمر بسيادة الربح يعلو ويهبط مخلفا أمواج عاتيه فى خضمه وموجات هادئه على شطآنه ويالها من أن تراها على شاطئ ( سوسه )
زياره حملت ذكريات الطفوله ها أنا أستعيدها وأنا أسطر هذه الكلمات ولكنها فى الواقع لم تستغرق إﻻ دقائق معدوده وأنا جالس على التخته فى الفصل بالصف الرابع اﻹبتدائى بجوار النافذه التى كانت تطل عليها شجرة الكافور العتيقه من خارج أسوار مدرستى عندما بدأ أستاذ اللغه العربيه بكتابة التاريخ على السبوره ثم كتب فى أوسطها ( مطالعه )
وكانت حصة المطالعه من أجمل الحصص حيث يأخذك الموضوع المقرر بالكتاب المدرسى ليدخلك فى موضوع آخر ذات علاقة بسابقه .. ثم كتب اﻷستاذ على جانب السبوره : من وحى سوسه .. وهنا بدأت همهمة التلاميذ فى إستباق تحليل كلمة سوسه وما تحتويه من معانى وقد تخلل هذه الهمهمات ضحكات بريئه تدل على فهم معنى الكلمه .. الكل متحفذ فى إشتياق أن يبتدى اﻷستاذ للدخول فى الموضوع ثم قال : إفتحوا ص كذا …
وبدأ فى كتابة أبيات قصيده قال إنها من تأليف الشاعر فلان
وهذا الشاعر كان مدرسا مصريا يعمل فى تونس فى مطلع الخمسينات وقد قام برحله مدرسيه لهذه المدينه فأخذه جمالها الخلاب الذى طاف بوجدانه وخياله ليقول :
أرأيت سوسة واﻷصيل يلفها
فى حلة نسجت من اﻷضواء
أما أنا فلقد أخذت بسحرها
لما وقفت هناك ذات مساء
حدقت فى أرجائها من شرفتى
فعشقت منظر هذه اﻷرجاء
البحر يبدو من أمامى موغلا فى اﻷفق
والجبل اﻷشم ورائى
والشمس تسكب فى الغروب أشعة
حمراء فوق اللجة الزرقاء
هبطت إلى سطح المحيط فنصفها
يبدو عليه ونصفها فى الماء
عزمت عن الكون الرحيل
فخضبت آفاقه بدموعها الحمراء
وهنا على شطآن سوسة يا لها
من جنة سحرية اﻹغراء …… وللقصيدة بقيه !!!
كان المدرس يتلو هذه اﻷبيات قبل أن يشرح معانيها وما تحتويه من إستعارات مكنيه وما يبوح به خيال الشاعر المبدع .. تدق قلوبنا فى تسارع تارة ليبدأ المدرس فى شرح اﻷبيات وتارة أخرى متمنية أن تأخذنا اﻷبيات إلى ما ﻻ نهايه .. وكان هذ اﻷستاذ له طله بهيه مقنع لكل ما يبدر منه فضلا عن طريقته فى اﻹلقاء فقد أخذنى على بساط من الريح تخيلت أنه كان معلقا على شجرة الكافور العتيقه التى كانت تطل على نافذة الفصل .. وما أن بدأ فى شرح اﻷبيات إﻻ وكنت قد طاف بى خيالى فوق سماء ( سوسه )
إنتهت الحصه وبدأ التلاميذ فى التحرك و التقلقل من أماكنهم وجلست وحدى أتأمل شجرة الكافور متوددا لها أن تمنحنى بساط الريح عندما أطلبه منها ليطوف بى مع خيالى فوق الشطآن أينما كانت ووقت ما أريد .
لقد كانت قصيدة من وحى سوسه بمثابة الغذاء الذى ترضعه اﻷم لوليدها حين يخرج إلى الحياه .
بحثت عن شاعرها فوجدت أنه من مواليد طنطا فى اﻷربعينيات إنه الأستاذ الشاعر / على محمد أحمد وكان يعمل مدرسا بتونس فى مطلع الخمسينيات .. شكرا لمدرستى / الخليفه المأمون اﻹبتدائيه ببورسعيد .. شكرا ﻷستاذى الذى أأسف لنسيان أسمه .. شكرا للتربيه والتعليم بتاعة زمان