لوحظ فى الأونة الأخيرة أن عدد من الزوجات تشكو من حدوث تغيرات تصاحب تقدم أزواجهن فى العمر وقد تصل هذه الشكوى إلى حد الكارثة التى قد تتمثل فى زواج الزوج من امراة أخري أو تبدل طباعه التي أعتادتها عليه طوال حياتها معه وغضبه لأتفه الأسباب.
ووفقا لرأي علماء الأجتماع بالمركز القومي للبحوث الأجتماعية والجنائية أن أزمة منتصف العمر تختلف من شخص إلي أخر طبقا للظروف التي يمر بها فبالنسبة للمرأة كان من الممكن سابقا أن تشعر بهذا وذلك لانها لم يكن لها دور في الحياة سوي الأنجاب وتربية الأطفال فكانت تشعر بيأس وأزمة نفسية عند بلوغها سن اليأس عند تعطلها عن الأنجاب أما الأن فالمرأة أكتسبت معرفة أجتماعية جعلتها قادرة علي القيام بعدة أمور تشعرها بكينونتها وجمال كل مرحلة تمر بها ، وكذلك بالنسبة للرجل فالرجل سابقا في فترات الأستقرار كان يبحث عن تجديد شبابه وأبعاد الملل عن حياته خصوصا أنه يوجد الأن وعي لدي النساء بضرورة الأهتمام بمظهرهن والأبتعاد عن حياة الملل الزوجي فهدا الجيل أستفاد من الجيل الذي سبقه.
وقد أظهرت الدراسات التي قام بها المركز القومي للبحوث الأجتماعية والجنائية أن أغلب حالات الطلاق التي تقع بعد سن الخمسين ترجع إلي العزوف العاطفي وبحث الزوج بصفة خاصة عن إمرأة أخري تلبي له أحتياجاته النفسية والبيولوجية.
ويطلق علي هذه الفترة من المنظور الأجتماعي دورة الحياة وهي مرتبطة بالعمر ومدي الأنجاز الذي حققة الأنسان في حياتة فالمرأة أولا طفلة فطالبة فعاملة فربة منزل وهذه كلها أنجازات وكذلك الرجل وكل دورة حياة لها مشاكلها المرتبطة بها فالمرأة العاملة وصاحبة الأسرة لها مشاكلها الخاصة بالشغل بالأضافة إلي المشاكل الأولاد والاسرة كل تلك المشاكل تؤثر فيها وتحاول أن تنجز فيها لذلك تظهر هذه الأزمة عندما يشعر الرجل والمرأة أنه لم يعد هناك المزيد من الأمور التي يفعلوها.
ووفقا لعلماء النفس ان أزمة منتصف العمر ليست في حد ذاتها مرضاً، ولكن مضاعفاتها يمكن أن تكون مرضاً كالقلق والاكتئاب والأعراض النفسية والجسمية.
وهذه الأزمة تحدث تقريباً بين الأربعين والخمسين من العمر، وقد تحدث قبل ذلك أو بعد ذلك في بعض الرجال، فوقتها ليس محدداً تماماً وفي هذه الأزمة يقف الرجل ويجري عملية محاسبة لنفسه عن ماضيه وحاضره ومستقبله، وقد تبدو له سنوات عمره الماضية وكأنها كابوس ثقيل، فهو غير راض عما تحقق فيها، ويشعر أنه فشل فشلاً ذريعاً في تحقيق أحلامه على كل المستويات وأنه كان يجري وراء سراب، وبحسابات الحاضر هو أيضاً خاسر، لأنه ضيع عمره هباء ولم يعد يملك شيئاً ذا قيمة فقد أنهكت قواه وذهب شبابه وضحى بفرص كثيرة من أجل استقرار أسرته، ومع هذا لا يقدر أحد تضحياته، ولذلك يشعر بأن الأرض تهتز تحت قدميه حتى المبادئ والقيم التي عاش يعلي من قيمتها أصبحت تبدو الآن شيئاً باهتاً، فلم يعد يرى لها القيمة نفسها، ولم يعد متحمساً لشيء ولا مهتماً بأي شيء ذي قيمة في المستقبل، فقد انطفأ حماسه واكتشف أن الناس لا يستحقون التضحية من أجلهم، وأن المبادئ التي عاش لها لم يعد لها قيمة في هذه الحياة، وأن رفاق الطريق قد تغيروا وأصبحوا يبحثون عن مصالحهم ومكاسبهم بأي شكل وتخلوا عن كل مبادئهم وشعاراتهم التي رفعوها إبان فترة شبابهم.
أحياناً يشعر الرجل أنه يريد أن يبدأ صفحة جديدة من حياته ولكن ذلك يستلزم الابتعاد عن الزوجة والأولاد والتحرر من قيودهم، وبالفعل بدأ يتغيب كثيراً عن المنزل ويرتبط بمجموعة من الأصدقاء الجدد الأصغر سنا، فتحوا أمامه أبواباً متعددة للمتعة وقضاء الأوقات، وقد أحس معهم (معهن) أن شبابه قد عاد، وبدأ يهتم بنفسه، ويبالغ في ذلك الاهتمام حتى اتهمته زوجته في يوم من الأيام بأنه متصابي “نعم هو يشعر أنه يعود مراهقاً من جديد” ويفرح أحياناً بهذا الشعور خصوصاً أن الزوجة أصبحت لاتهتم به وليس بينهم ود او حنان.
وفي لحظات أخرى يميل إلى الزهد في الحياة ويرضى بما قسمه الله له، ويعترف بأنه فقد أشياء كثيرة كرجل شاب، ولكنه اكتسب أشياء أخرى كأب ورائد فى عمله، ثم تدور الأيام دورتها ويفكر مرة أخرى في اللحاق بالفرص الأخيرة للحياة قبل أن يغادره شبابه وتألقه ووسامته، فيفكر في الزواج من فتاة صغيرة تعيد إليه شبابه ويبدأ معها حياة جديدة، ولكنه يعود فيتذكر أبناءه وبناته وما ينتظرهم من معاناة حين تتهدم الأسرة بسببه .
هذه هي بعض معالم أزمة منتصف العمر التي يمر بها كثير من الرجال ، ولكن يدركها بأبعادها بعضهم ممن لديه درجة عالية من الوعي والإحساس .
وبعض الرجال يتقبل الأمر بسهولة، وتمر هذه المرحلة بلا مشاكل خصوصاً في الرجال الناضجين، حيث يدرك أنه ربما يكون قد خسر بعض شبابه ووسامته وتألقه، ولكنه كسب مساحات كبيرة كأب حنون وموظف ناجح أو رائد في مجال عمله واهتمامه .
والبعض الاخر من الرجال يشعرون بآلام الأزمة ولكنهم يتحملون ويقاومون في صمت، ويحاولون إخفاء الأزمة عمن حولهم، ولذلك تظهر عليهم بعض الأعراض النفسية الجسمية كآلام وتقلصات البطن أو صعوبة التنفس أو آلام المفاصل أو الصداع المزمن أو ارتفاع ضغط الدم .
ولكى نستعد لمواجهة هذه الأزمة قبل حدوثها فانه يجب تحقيق إنجازات حقيقية راسخة ومتراكمة في مراحل الشباب وأن لا نضيع سنوات الإنتاج هباء، وأن يكون في حياتنا توازن بين عطائنا لأنفسنا وعطائنا للآخرين حتى لا نكتشف في لحظة أننا ضيعنا عمرنا من أجل إنسان لم يقدر هذا العطاء بل تنكر له وجحده في غمضة عين، ونحرص على أن تكون لحياتنا معنى يتجاوز حدود ذاتنا.
أما إذا وقعت الأزمة فعلا فإن علماء النفس ينصحون الرجل بأن يتحدث عن مشاعره لقريب أو صديق يثق في أمانته فإن ذلك التنفيس يسهل عليه مرور الأزمة بسلام، وإذا لم يجد فرصة لذلك فلا مانع من اللجوء لأحد علماء الدين أو أحد المتخصصين في العلاج النفسي، فهؤلاء يمكن أن يقدموا المشورة والمساندة.
بعض الرجال ربما يحتاجون لعدد من الجلسات النفسية الفردية أو الجماعية لمساعدتهم على تفهم جوانب الأزمة والتعامل معها بفاعلية أكثر والخروج منها بسلام.
أما الأسرة فعليها واجب مساعدة الأب حين يمر بهذه الأزمة وذلك من خلال سماع شكواه وتفهمها وتقديرها، وربما تحتاج الزوجة بشكل خاص تفهم بعض التغيرات التي حدثت أو تحدث لزوجها وربما تحتاج للتعامل بقدر أكبر من التسماح تجاه بعض أخطائه وتجاوزاته في هذه المرحلة خصوصاً إذا كان قد بدت عليه أعراض ما يسمى بالمراهقة الثانية ووقع أثناءها في بعض الأخطاء أو صدرت منه بعض الزلات أو تورط في زواج ثان أو علاقة أخرى.
أما على مستوى المجتمع فنحن نحتاج إلى نشر الوعي بهذه الحالة الشائكة والتي يعاني منها الكثيرون وأحياناً تؤدي إلى تفكك الأسر وضياع الأبناء وأخيراً وليس آخراً علينا أن نتذكر أننا نمر في عمرنا بمراحل قدرها الله سبحانه وتعالى وهيأنا لها ولكل مرحلة مزاياها ومشاكلها، وعلينا أن نتقبل ذلك .