أكتب اليوم عن معضلة ( الدعم )، ومن البداية أعلن رفضى التام شكلا وموضوعا ( التحول ) من الدعم ( العينى ) الى الدعم ( النقدى ) ، وكنت قد كتبت هذا تفصيلا يوم 8 مارس الماضى، تحت عنوان ( قبل أن نسقط في فوضى الدعم النقدى ) ، وفندت أسبابى .
أقول –أيضا – كل من يتقاضى راتب شهرى يستحق الدعم ، وأذكر هنا واقعة تداولت في ساحة القضاء .
الواقعة باختصار ان موظف كبير شوهد بعد مواعيد العمل الرسمية يقف خلف عربة فول ، فتقرر إيقافه وأحيل للمحاكمة التأديبية بإعتبار انه ( أهان الوظيفة ).
المحكمة كان لها رأى آخر !! أصدرت حكما قالت فيه : ( إن الدولة هي التي دفعت هذا الموظف الشريف أن يعمل عمل آخر ، لإنها لم توفر له الدخل المناسب الذى يكفل له حياة كريمة ، وحكمت بإعادته فورا للعمل ) .
الروايات كثيرة ، ونسمع منها الكثير كل يوم ، خاصة وإن الحكومة ( لاترى ) ( ولا تسمع ) !! ولاتتخذ قرارات من شأنها حماية الشعب من جشع ( مافيا التجارة الداخلية ) !!
إستنادا للدستور الذى ينص على اننا نتبع نظام ( الإقتصاد الحر ) لعنة الله عليه ، هذا النظام الذى قال عنه توماس بكيتى : ( انه يزيد الغنى غنى ، ويزيد الفقير فقرا ) !!
أقول الحكومة تعترف ان التضخم السنوي يرتفع ويواصل الصعود مسجلا 32.5 % في مارس الماضى !! وأن أسعار الأسماك قفزت 49 % واللحوم 42% والدواجن 28.5 % والبصل صعـــد 98.6% والطمـــاطم 61.6% والخضــــراوات الجــــافة 72.1% والسكر 86.3% ، كما ارتفعت زيــــوت الطعــــام بنسبة 76.6% والمسلىالصناعى 62.2 % والحليب كامل الدسم 42.9% والجبن 54.1% والبيض 22.6% ومجموعة المربى 50.6%!!
كل هـــذا والحكومــــة لم تتدخــــل بأسلوب فعــــال لمواجهة ( مافيا التجارة الداخلية ) ، وتتحدث عن الدعم ، بإعتباره العائق ( الوحيد ) للتنمية !! في وقت وصل فيه الدين الخارجي الى نحو 67.3 مليار دولار ، والمحلى تجاوز 3 تريليونات جنيه ، ولا زلنا نهلل ونعتبر ان الإقتراض دليل ثقة بالإقتصادالمصرى !! وكى لا ننسى أذكر هنا أن نصيب المواطن المصرى من الدين الخارجي إرتفع بنهاية العام الماضى ليصل الى 691.9 دولار مقابل 618.2 دولار بنهاية سبتمبر الماضى !!
ويبقى أن ( الدعم ) هو العائق ( الوحيد ) للتنمية ، وليس فشل السياسات الحكومية!!
نتحدث عن الدعم ولا نتحدث عن التكلفة ، وهنا أقول للذين يحدثوننا عن الدعم حدثونا عن ( التكلفة ) مقارنة بـ ( التكلفة ) في أغلب الدول ، وأعرف سلفا ومقدما أن أحدا لن يحدثنا عن التكلفة ، لأنها تزيد بنحو لا يقل عن 30% في قطاع الكهرباء على سبيل المثال !! وأنا هناأنقل هذا عن متخصصين في مجال الطاقة .
ماذا يعنى هذا ؟ هذا يعنى بإختصار شديد أن المواطن يسدد مقابل ( إهدار في العملية الإنتاجية ) ويسدد مقابل ( تعويم الجنية ) ، ويسدد ( مقابل فوضى الأسعار ) ، لأن مافيا التجارة هي التي تحكم السوق !!
هنا أعود لأؤكد ، ان زيادة حدة التضخم ، أمر طبيعى ، في ظل إحتكارات السوق الداخلية ، رغم أن هذا يتعارض مع ( إقتصاد السوق ) الذى يتشدقون به ، بل وأقرر أن الدولة لم يكن لها دور مؤثر لمواجهة إحتكارات مافيا السوق ، من خلال لعب دور المنافس عن طريق وزارة التموين ، وشركاتها القابضة ، أو حتى من خلال تفعيل القرار الخاص بتحديد هوامشللأرباح .
ما يحدث داخل السوق الداخلية له نتائج قد لا تحمد عقباها ، وعندما ينخفض مؤشر الإستهلاك بنسبة 30% يجب ألا يمر هذا مرور الكرام ، ولا زلت أنبه هنا وأحيل لدراسة دكتوراه فى مكتبة كلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة للراحل الأستاذ الدكتور فاروق يوسف وموضوعها (العلاقة بين الحرمان الإقتصادىوالإستقرارالسياسى) ، وعندما تنخفض مساهمات القطاع الخاص الى أقل من 50% في حين كانت تتجاوز 70% قبل يناير 2011 ، فإن الأمر يوجب وقفة جادة ، لأن إدارة الاقتصاد من خلال القروض محفوف بالمخاطر لنا وللأجيال القادمة .
لتكن فترة الطوارئ ، مرحلة تصحيح مسار شامل ، ولابد من وضع كل الأمور في نصابها الصحيح ، ولابد أن ندرك أن مصر في حالة حرب حقيقية .. لابد من تغليظ العقوبات ، والأهم من وجهة نظرى ألا نكون ملكيين أكثر من الملوك ، فيما يتعلق بـ ( أكذوبة ) إقتصاد السوق .