تنقل أخبار الحوادث تفي مصر والعالم من حولنا كل يوم أمثلة جديدة من شأنها أن تزيد إيماننا بقوة الرأي العام والإعلام علي الشعوب.
غير أني مع ذلك أري أن انتفاعنا في مصر بتلك الأمثلة قليل في جانب كثرتها, تضئيل في جانب عظمها وأساليبها الحديثة في سرعة نقل وتوصيل المعلومات, فما سبب هذا يا تري؟ هل نحن في مذهب التقليل جامدون علي ما ورثناه من قبل الثورة من مشاهدة ولا مبالاة!.
كلا…. إن الحس الوطني المصري بعد الثورة مباشرة شهد أننا في غاية السرعة في رد الفعل, إلا أننا الآن تصل لنا الأخبار من مصر و من دول العالم من حولها في غاية السرعة, ننفعل معها لحظيا, وما هو إلا أسبوع واحد علي الأكثر حتي تجدنا رجالا ونساء قد نسينا الحدث, وتابعنا حدثا جديدا دون النظر فيما سبق وما أنتهي إليه في صالحنا أو ضدنا, وهذا نوع من الإهمال في حقوقنا. فما بالنا إذن لا نقلد غيرنا في العمل علي تماسك الرأي العام. ليكون لنا من القوة في أثر الرأي العام المصري ما يناسب أطماعنا في الرقي السياسي والوعي الاجتماعي والاقتصادي.
إليك هذا المثال القريب القوي, مثل قيام الرأي العام الأمريكي علي قضايا التفجيرات ذلك لم يهدأ أبدا إلا بعد ان وصلوا إلي مرتكبي الحادث, وتلك حقيقة كاملة حتي وإن كانت في آخر العالم وحتي قيام الساعة. أما نحن وحتي بعد الثورة, ادخل إلي أي مجلس من مجالس النخبة السياسية, حيث هذه المجالس تجدها تتكلم في كل الأحداث ولكن نسب ذاتنا وأمتنا, نرمي أنفسنا بالضعف والعجز, نرمي أخلاقنا بالفساد, نرمي عادتنا بالقبح نرمي رجالنا(حكاما أو معارضين) بعدم الثبات, نرمي موظفينا بفساد الذمة ونتشدق بمصطلحاتنا تطهير كل مؤسسات الدولة, وهنا أود ان أوضح انني لا أحب إرث الحقد, ولا احب ان أرث الحقد عن احد, ولا ان أورث حقد لأحد, ولكن اذا لم نقدر علي شييء, مع هذة الامور المؤسفة التي تتدبر مصر, فلا أقل من ان ننشر هذا للعامة وان نروي أحداثها المؤسفة لابنائنا والاجيال القادمة, وان نغرس في نفوسهم كراهية الجريمة, وعليهم يثأرون يوما لأمتهم, أو عليهمت لايكونون يوما ضحيه لمثل هذة الاحداث المؤسفة…
ولو اطلعت علينا في هذه الحال وبعد ثورة( كان من أهدافها العدل والمساواة و الحرية المسؤلة) لاعتقدت أننا لسنا مصريين, بل شعوب لها طباع جديدة فيها يهادنون العدو الحقيقي, ويتفرغون لحرب أنفسهم, يقتتلون ولا يقاتلون, ولولا اللغة العربية لتصورت أننا أعداء في وطن واحد, تفإذات كتب منا كاتب أو خطب خاطب استحي أن يحصل ما يدور في تلك المجالس علي ألسنة الذين هم جذع الرأي العام في الحال, ومنبت أغصان الرأي العام في المستقبل.
كل شيء في الملكات الإنسانية يقوي بالتمرين والاعتياد, إن الاستعداد يستحيل أن ينقص أمة بأسرها, ولكن الذي يقوي الأمة هو تمرين ملكاتها وتعويد شعبها علي التمسك بالمبادئ وقوة الإرادة والثقة بالنفس وعدم تخوين الغير. لا فرق بين الجندي في شجاعته والحضري في جبنه, إلا أن الأول معتاد علي ملاقاة الموت كل يوم, والثاني معتاد علي الاتكال علي الآخر..! لا فرق بين العالم في إقدامه علي المغامرة والجاهل في ضعفه وعدم ثقته بنفسه, إلا أن العالم قد علم بمقدار الحياة فاستهان بها( مثل الراحل الدكتور مصطفي محمود), علما بأن الحقيقة هي أغلي ما تضحي له الملكات والراحة بل الحياة أيضا… علما بأن علة الخلق هي خدمة الحق, ومن لم يخدم الحق لم يقم لله بواجب الخلقة… علما تبأنه لا لذة للرجل الذي يذوق طعم اللذائذ, أشهي عليه أعراض الحياة. وأما الجاهل, فلا يعرف طرفا من نفسه, حتي يثق بها.
ما دامت ملكة قوة القلب والثقة بالنفس هي ملكة ينميها التمرين والاعتياد أيضا, وجب علينا بعد الثورة ألا نصرف الوقت في السخرية من أنفسنا أو من الآخر, لأننا إذا اعتدنا ذلك منهجا, فقدنا بالزمن كل عامل من عوامل احترام الذات واحترام الآخر ولحقنا الفناء حتما.
علينا أن نروض أنفسنا علي أن يعتبر كل منا نفسه إنسانا مخلوقا لحقوق يتقاضاها من هذا الوجود, اعتبارا ممزوجا بفضيلة التواضع التي هي مرآة لجميع الفضائل.
ولما لا نقلد الغرب مع عدم إغفال الوسط الذي نحن فيه, وتقلدنا شرق آسيا مع ملاحظة البعد بيننا وبينهم, وذلك بتمرين ملكاتنا علي القوة والثقة بالذات والعمل والانتماء, حصلنا آخر الأمر من الرأي العام علي قوة تناسب أطماعنا كشعب قام بثورة حتما, ولكن هناك أناس منهم من لا يقصد الصواب ولا يقصد الي الخطأ, إنما هو متبع فيما يأتي جميعا, كتب علي غيرهم الصواب, فأصابوا وكتب علي غيرهم الخطأ فأخطأوا, أذناب في الخير, وأذناب في الشر! ليس لهم من صنع الخير لمصر إلا الضعف, ولهم من صنع الشر لمصر, الشر والضعف.
هؤلاء نريد أن نلفظهم من حولنا خارج إطار الإصلاح والتقدم.
وهنا نحصل علي ما نريد من غير عناء كبير, بل من غير سؤال واستنجاد, علي قوة الرأي العام يتوقف نجاحنا في استكمال أهدافنا لرفعة مصر الغالية, ويتحقق الفردوس المنشود.