يأتى رمضان هذا العام مع استمرار ارتفاع الدولار أمام الجنيه، ورغم كل المحاولات من قبل البنك المركزى والحكومة، تتوالى موجة ارتفاع الأسعار بشكل تضخمى مخيف وتزداد حدتها مع ارتفاع الطلب على أغلب السلع الغذائية خاصة فى هذا الشهر الكريم المبارك، هذا أمر واضح وكلنا نتابعه عن قرب ويضر الفقراء ومحدودى الدخل بشكل خطير، إلا أن الأمر لا يقف فقط عند تلك العوامل الخارجية بل امتد إلى بعض الإجراءات الداخلية التى كان من المفترض على الحكومة أن تقوم بعكس ذلك. لذلك أردت أن ألفت نظر الحكومة إلى بعض الأمور التى من شأنها تهدئة الارتفاع المستمر فى الأسعار، والذى لا يمكن للمواطن العادى تحمله أكثر من ذلك، يجب أن تفرق الحكومة بين نوعين من الضرائب غير المباشرة (على سلع الاستهلاك وعلى سلع الإنتاج) وذلك لتحديد العبء الذى يقع على المستهلكين والمنتجين، وحيث إن تحليل الأثر غير المباشر على سلع الاستهلاك أكد أن المستهلكين وحدهم فى مصر هم من يتحملون معظم هذا العبء الإضافى فى شكل ارتفاع فى أثمان السلع والخدمات، ولا يمكنهم بأى حال من الأحوال تحويل هذا العبء إلى نفر آخر إلا فى حالات نادرة الحدوث فى السوق المصرية. نذهب إلى الأثر الثانى للضرائب غير المباشرة على سلع الإنتاج (الرأسمالى) وهو ما يتمثل فى انعكاس جزء من عبء الضريبة فى أثمان هذه السلع، فيؤدى إلى ارتفاع آخر فى أثمان السلع الاستهلاكية التى تستخدم، فى إنتاجها، هذه السلع الرأسمالية، وهو ما يعنى أن هذا الأثر فى أثمان السلع الاستهلاكية يشكل عبئًا إضافيًا على المستهلكين. وعلى ما تقدم، يتعين على واضعى الضريبة، وإن كان الأمر صعبًا معقدًا، أن يقدر الارتفاع فى أثمان السلع الاستهلاكية الذى حدث من خلال الارتفاع فى أثمان سلع الإنتاج، وإلا ما جدوى الضريبة هنا، أهى جباية؟ أم عدالة فى توزيع الأعباء على فئات المجتمع (المنتج والمستهلك) أى العدالة الضريبية . وننبه هنا إلى أنه قد يحدث أن يؤدى فرض الضرائب غير المباشرة، وسواء على سلع الاستهلاك أو على سلع الإنتاج، إلى تخفيض دخول (عوامل الإنتاج ) – من الأجور والمرتبات أو إلى تخفيض دخول (أصحاب العمل) المنتجين وهو ما يعرف بـ «نقل العبء إلى الخلف» ولا شك فى صعوبة حساب انقسام عبء الضرائب غير المباشرة بين المنتج (صاحب العمل) والمستخدم (المستهلك)، خاصة إذا كانت هذه الضرائب مفروضة فى الأساس على السلع الإنتاجية (الرأسمالية) ولذلك انتهى أغلب الكتاب المعاصرين إلى اعتبار الضرائب غير المباشرة بكل أنواعها فى المجموع، ترد إلى المستهلكين وتمثل عبئًا إضافيًا على ما يدفعونه من ضرائب على الأجور والرواتب والأرباح… الخ، واعتبار رسوم التصدير عبئًا على المستهلك الأجنبى. وحقيقة هذا الأمر تعود إلى وجود سلسلة من العلاقات بين أثمان السلع الرأسمالية وأثمان السلع الاستهلاكية، ومع هذا الوضع يكون من الجائز إذن القول إن عبء الضرائب غير المباشرة يتمثل فى ارتفاع أثمان سلع الاستهلاك، وبالتالى انخفاض عام فى الدخول الحقيقية. ويبقى أن نذكر أنه فى مصر حيث تقوم الدولة بتحديد بعض أثمان المنتجات (التسعيرة الجبرية)، حيث تضمنها بالتالى الضرائب غير المباشرة، يكون من الضرورى أن نأخذ قيمة هذه الضرائب كلها على أنها عبء على المستهلك. إلا أن هذا يتم فى حدود ضيقة جدًا من خلال تدخل الحكومة فى تحديد أثمان السلع الأساسية والإستراتيجية، أما باقى السلع وهو العدد الأكبر فى الأسواق، ليس له سقف أسعار، وهو ما ينذر بالخطر على المستهلك فى حالة زيادة الضرائب غير المباشرة . ونخلص من هذا العرض السابق إلى أن تحديد عبء الضرائب غير المباشرة فى مجموعها على المستهلكين بالشكل السابق لا يكفى لمعرفة من فى النهاية سوف يتحمل عبء هذه الضرائب إذ يكون من الضرورى ونحن بصدد معرفة كيفية توزيع الأعباء الضريبية، أن نحدد ما تتحمله كل فئة من فئات المستهلكين أنفسهم، من عبء الضرائب غير المباشرة . ويتطلب هذا التحديد، بالإضافة إلى معرفة الحجم الكلى للاستهلاك فى مصر، ونصيب كل فرد من الضرائب غير المباشرة حسب نمط استهلاكه اليومى أو الأسبوعى أو الشهرى، ومعرفة نصيب كل فئة من فئات المستهلكين من السلع محل تطبيق الضرائب غير المباشرة (سواء على السلع الاستهلاكية أو السلع الرأسمالية) . حتى لا نقع فى مشكلة التوزيع الضريبى غير العادل. لأن الكل يعلم أنه فى حالة زيادة الضرائب غير المباشرة على الإنتاج، سرعان ما يرفع المنتج ثمن السلع فى مصر وبمعدل أعلى من سعر الضريبة، والذى يتحملها دائمًا المواطن المصرى البسيط والذى يمثل الشريحة الكبرى من هذا الشعب . فينتهى الأمر إلى أن المستهلك هو الذى يتحمل عبء الضرائب وهو وحده الذى ينخفض دخله الحقيقى، فى حين يستفيد المنتج من هذا الوضع ويجنى أرباحًا إضافية، وهذا ما يعرف فى النظرية الاقتصادية بـ «أن أحدًا يدفع الثمن والآخر يستفيد». لا ليس فى مصر ولا يجب أن يحدث بعد الآن.