إن طبيعة العبادة : تدعونا إلى الإتصال بأسرار الكون للمعاطفة والتآلف بيننا وبينها.
وأما طبيعة التفكير : فهى تشب النار المقدسة فى سرائرنا, وتعمل على الكشف والإستقصاء.
وهناك طبيعة التعبير الجميل : التى تصهر معادن الجمال من هده الدنيا وتفرغها فى قوالب حسناء من صنع قرائحنا وألسنتنا, أو صنع قرائحنا و أيدينا, أو صنع قرائحنا وأوصالنا.
وآخيرا طبيعة العمل والحركة : والتى تعلمنا هى الآخرى كيف نتأثر بدوافع الكون , وكيف نؤثر فيها, وتجذبنا إليها فنستمد منها القدرة التى تجذبها إلينا.
وعلى ما يبدو أن فالأولى تدعونا إلى الحلول من الكون فى أسرة كبيرة.
والثانية تدعونا إلى الحلول من الكون فى معمل كبير.
والثالثة تدعونا إلى الحلول من الكون فى متحف كبير.
وأما الرابعة فتدعونا إلى الحلول من الكون فى ميدان صراع ومضمار سباق.
كانت تلك الطبائع الأربع التى حدثنا عنها الكاتب الكبير موسوعى المعرفة, والمفكر المصرى النادر “الذى خاض العديد من المعارك الفكرية والأدبية فى عصره”, وأيضا الشاعر ” الذى أرسى قواعد مدرسته الشعرية الخاصة جدا “, و هو الصحفى ” البارع والملتزم بأصول ومعايير المهنة” وكذلك السياسى المستقل “عضو البرلمان المصرى فى وقت من الأوقات, والذى كان من كبار المدافعين عن حقوق الوطن فى الحرية والإستقلال “….. إنه أستادى القدير وتاج رأسى “عباس محمود العقاد” – ومعدرة منكم إن كنت قد أطلت بعض الشىء فى كلماتى عند ذكر ” الأستاذ “العقاد” ولكن ظنى أنكم تستطيعون تقدير ذلك عذرى هذا فمن منا يستطيع مرور الكرام بإسمه الكبير فى عالم الفكر والكتابة !.
إنه “العقاد” مؤلف العبقريات , والتى أردت من خلالها اليوم , وتحديدا من خلال “عبقرية محمد” عليه أفضل الصلاة وأذكى التسليمات, أن أطل معكم على بعض من الإبداع العميق , لعلنا نقتبس منه نفحة روحية فريدة تعيننا خاصة ونحن فى رحاب تلك الأيام المباركة من شهر رمضان الكريم, ومثيرا منا يحاول فى بذل مزيد من الجهد فى العبادة لتحرى ليلة القدر التى هى خير من ألف شهر.
وقد شرح لنا الأستاذ “عباس العقاد”فى كتابه “عبقرية محمد” أن تلك الطبائع التى إستهليت بها مقالى. اليوم تتفرق فى الناس, وقلما تجتمع فى إنسان واحد على قوة واحدة. فإدا إجتمعت معا فواحدة منهن تغلب سائرهن لا محالة, وتلحق الأخريات بها.
وحقا صدق فى قوله ….فقلما يشعر أحدنا بأن الكون بيتا لأسرة, ومعملا لباحث, ومتحف فن, ومضمار سباق فى نفس الوقت, وٱنما هى حالة من هذه الحالات تجب الباقى, وقد تلحقها بها لحاق التابع بالمتبوع والمساعد بالعامل الأصيل “بحد قول أستادنا”.
ولكن أستاذنا قد شرح بشىء من التفصيل أن سيدنا محمد كانت فيه هذه الطبائع جميعا بنفس القوة …. فقد كان عابدا , مفكرا, قائلا بليغا, وعاملا يغير الدنيا بعمله. ولكنه كان عابدا قبل كل شىء , ومن أجل العبادة كان تفكيره وقوله وعمله.
وما وددت التأكيد عليه, وأعتقد أننا بحاجة ماسة لإدراكه بشكل واضح أيضا هو أن هناك فرق ما بين العابد الذى انقطع للعبادة, والعابد الذى يفكر و يعبر ويعمل…..وهذا بالتأكيد يمكن أن ينطبق على كل منا, والمتأمل قليلا فى حياة سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام يجده كان حركة متجددة فى الحس وفى الفكر وفى الضمير , فلا انقطاع عن الحس للعبادة كل الإنقطاع , ولا انقطاع عن الحس للتفكير كل الإنقطاع, وإنما هو كان دائما فى تفكير من ينتظره العمل, وليس بتفكير من ترك العمل ليوغل فى الفروض ومذاهب الإحتمال والتشكيك – بحد قول العقاد –
ولحديثنا بقية…..