تخطو السياسة الخارجية المصرية خطوات مُثمرة صوب توازن وتشعب العلاقات الدولية ، مواكباً مع إرهاصات عالم متعدد الأقطاب تتسارع فيه الدول الكبري لتحتل مركزاً سياسياً واقتصادياً في النظام العالمي. وتتبلور التعددية في ظل صعود العديد من التكتلات الإقليمية والدولية، والتي تهدف إلى خلق توازن دولي في القوى الاقتصادية ومن ثم السياسية بدلاً من هيمنة القطب الأحادي على السياسات المالية العالمية ومحاولة إيجاد بديل فعّال لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. إذ تستمد القوى الكبرى هيمنتها من قوتها الاقتصادية ، وقد أخذت الدبلوماسية المصرية التعاون الاقتصادي مأخذاً لتعزيز أواصر العلاقات مع شرق أوروبا وآسيا. حيث أبدت مصر رغبتها مؤخراً في الإنضمام إلى عديد من التكتلات الاقتصادية التي ظهرت على الساحة الدولية ومن بينهم تكتل دول ” البريكس” ذات الاقتصاديات الأسرع نمواً في العالم ويطلق على هذا التكتل أيضاً “العابر للقارات ” حيث يضم كلاً من الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا.
وقد جائت دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى لحضور اجتماع قادة قمة “بريكس” تحت عنوان “بريكس: شراكة أقوى لمستقبل أفضل” ، لتبعث العديد من الدلالات حول ترسيخ وتوطيد علاقات الشراكة الإستراتيجية الشاملة والتي أعلنت إبان زيارة الرئيس للصين في عام 2014 وبمثابة تعزيز للتنمية المشتركة بين أسواق الدول الناشئة والنامية. وتهدف القمة إلى فتح مجالات لتعاون جنوب – جنوب وتشكيل “بريكس بلس” للتعاون المفتوح للتنمية المشتركة بين أسواق الدول الناشئة والنامية. كما أن مصر سوف تشارك كضيف شرف فى الدورة الثالثة لمعرض “الصين – الدول العربية ” والذي يعكس التعاون الاقتصادي المثمر بين الصين والدول العربية.
الأهمية الإستراتيجية المتبادلة بين مصر والصين
الأهمية الأستراتيجية المتبادلة بين مصر والصين تُعد من بين أهم أسباب تبني الخارجية المصرية سياسة الإنفتاح شرقاً ، فالصين أصبحت القوة الاقتصادية الثانية بعد الولايات المتحدة الأمريكية والقوة التجارية الأولى في النظام العالمي وتُعد أحد قوى القطبية الثنائية، فضلاً عن تطورها في شتى المجالات الصناعية والتكنولوجية مما يوفر فرصاً عديدة فى مجالات التعاون،إلى جانب تفوقها العسكري من حيث قدراتها الصاروخية والباليستية والبحرية. علاوة على اتباع الصين استراتيجية سياسية جديدة تهدف إلى الإنخراط الإيجابى فى القضايا الدولية وخاصة المتعلقة بالشرق الأوسط من أجل حل النزاعات سلمياً مستغله في ذلك ثقلها الاقتصادي.
وعلى الصعيد الأخر ، مصر تمثل بوابة الصين للشرق الأوسط ونافذة القارة السمراء ، كما أن مصر تزخر بالموارد الطبيعية والبشرية الهائلة التي تخلق فرص استثمارية ذات عائد أعلى ، وتوفر سوق واسعة للمنتجات الصينية . ويلاحظ مؤخراً إرتفاع معدلات التبادل التجاري بين مصر والصين ،وزيادة حجم الاستثمارات الصينية في المجالات التكنولوجية والاتصالات وتطوير البنية التحتية والصناعات المبتكرة القائمة على تبادل الخبرات. إذ يمكن حصر أطر التعاون بين مصر والصين لتشمل العلاقات الثنائية، والتعاون الصينى العربى، والتعاون الصينى الإفريقى، وكذا إطار مبادرة الحزام والطريق الذي يربط بين قارات آسيا وإفريقيا وأوروبا ، من خلال ممرات مترابطة تسلكها السفن والقوافل، ويربط بين الصين والجزء الجنوبي والغربي لآسيا الوسطى والهند.بالإضافة إلى محور “الإسكندرية – كيب تاون” حيث يعمل على ربط مصر بدول أفريقيا ومنها بدول بريكس. والجدير للذكر أن إطلاق آلية لتبادل العملات مع الصين يخفف من ارتفاع الطلب على العملات الأجنبية الأخرى وعلى رأسها الدولار، مما يحد من الآثار السلبية لمخاطر التقلبات في أسعار الدولار ويزيد من حركة التبادل التجاري بين مصر والصين ، فضلاً عن تعزيز الفرص الاستثمارية. وقد اعتمدت هيئة قناة السويس”اليوان الصيني” ضمن سلة عملاتها التي تُحصل بها عائداتها من مرور السفن وذلك بناءً على إدراج صندوق النقد الدولي “اليوان ” ضمن سلة عملات حقوق السحب الخاصة كعملة خامسة مما يعكس آثراً إيجاباً على الهيئة الاقتصادية بقناة السويس، لكونه إجراء يهدف إلى تسهيل حركة عبور السفن الصينية بالقناة ومن ثم تعزيز التجارة البينية.
مزايا تكتل البريكس
يهدف إلى خلق آلية نموذجية للتعاون الدولي في شتى المجالات ولن تقتصر على التعاون الاقتصادى فحسب بل وايضاً السياسى بين الدول الخمس .وقد حقق التكتل نتائج مثمرة على أرض الواقع حيث إنشاء بنك دول بريكس للتنمية وصندوق نقد احتياطى ،وقد حقق إجمالي اقتصاداتها 23% من إجمالي الاقتصاد العالمي. يملك تكتل البريكس العديد من المزايا الاقتصادية والجيوسياسية ، إذ تعتبر دول التكتل من الدول الصاعدة ومن الأركان الأقتصادية لخلق قطباً جديداً في النظام الدولي الذي يحد من الهيمنة الأمريكية. فالصين ثاني قوة اقتصادية عالمياً، وروسيا ثاني قوة عسكرية بعد الولايات المتحدة الأمريكية ، إذ تحرص السياسة الخارجية المصرية على توطيد العلاقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية مع كلا من روسيا والصين تحققياً لتوازن القوى في العلاقات الدولية فضلاً عن المكاسب الاقتصادية من الإنضمام إلى تكتل البريكس . فالناتج المحلي الإجمالي للدول الخمس يمثل ربع الناتج المحلي العالمي ويمثل عدد سكان دول بريكس أكثر 40% من سكان العالم ، كما تستحوذ الدول الخمس على 17% من إجمالي التجارة العالمية مما يوفر سوقاً رحبة للتبادل التجاري ويعزز من تدفق الاستثمارات في مختلف القطاعات الاقتصادية. حيث يوجد علاقة طردية بين حجم السوق وفرص النمو الاقتصادي الكامن ، فكلما ازداد حجم السوق كلما ازدادت معدلات النمو الاقتصادي بسبب اتساع حجم السوق وارتفاع معدلات الطلب ومن ثم زيادة تنافسية القاعدة الإنتاجية ، وجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مشروعات البنية التحتية والصناعية والتكن
مشروعات البنية التحتية ، والصناعية، والتكنولوجية، والزراعية. وتعد الدول ذات الكثافة السكانية من أكثر الدول نمواً اقتصادياً وجذباً للاستثمارات الأجنبية المباشرة، في حال توافر البيئة المواتية، وتحقيق الاستغلال الأمثل للموارد الاقتصادية.
ختاماً، تحتم المتغيرات على الساحة الدولية تعزيز أواصر التعاون على الأصعدة كافة، تحققياً للسلام الشامل والتنمية المستدامة.، وفي هذا الصدد، تخطو مصر خطوات دءوبا حيال ذلك . وعلى الصعيد الاقتصادي، تنتهج الحكومة المصرية برنامج إصلاح اقتصاديا شاملا يسهم في تأهيل مصر اقتصادياً، مع المضي بمعدلات نمو سريعة لتصل إلى 5% من أجل الانضمام لعدد من التكتلات الإقليمية، ومن بينها تكتل البريكس، فضلاً عن اتباع استراتيجية للتنمية الصناعية، وتعزيز تنافسية الصادرات المصرية، إضافة إلى دعم الصادرات الموجهة إلى الدول الخمس الأعضاء بالبريكس لزيادة الفرص التصديرية، تمهيداً للانضمام في أقرب وقت ممكن.