بين لحظة وأخرى ربما ينجر العالم نحو حرب نووية إذا استمر الاستفزاز المتبادل بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية، حيث يرأس الدولتان رئيسان لا يمكن لأحد التنبؤ بما قد يفعل كل منهما، عندما يصل التهور منتهاه، فالأول رئيس كوريا الشمالية صاحب الوجه الطفولي الذي لا يتعدي عمره منتصف العقد الثالث، يخفي خلف هذا الوجه إرادة ورغبةً عارمةً في تحدّي الولايات المتحدة وتهديداتها الجَوفاء، وقد يتحوّل إلى وجهٍ غاضبٍ يتطاير مِنه الشّرر، وفي لحظة قد يتوقف فيها الزمن ليجر العالم إلى حرب نووية تأتي على الأخضر واليابس!
والثاني رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الذي جاء إلى السلطة من فناء المال والأعمال وبيزنس الكبار، وليس لديه أي خلفية سياسية عن الحكم والسلطة والعلاقات الدولية، حيث لم يكن يوما “سيناتور” في مجلس النواب أو شيخا في مجلس الشيوخ، وربما لم يكن يعرف الكونجرس إلا فيما يخص تشريعات الصناعة والتجارة والبناء، كما أنه لا يتمتع بأي خلفية عسكرية تؤهله لفهم تداعيات الحروب، وخصوصا حروب الدمار الشامل بالأسلحة النووية، أو فهم سياسة حافة الهاوية التي يجيدها من لديهم خلفية عسكرية، واستيعاب قيمة الزمن بالثانية الواحدة إذا ما حدثت ضربة نووية من هنا أو هناك!
لذلك فنحن أمام أزمة قد تتطور في لحظة، فتضع العالم كله على حد السيف، وتجبره على حبس أنفاسه حتى يتوقف هذا الاستفزاز المتبادل بين كوريا الشمالية وأمريكا!
من يومين نفذت كوريا الشمالية تجربتها النووية السادسة بتفجير قنبلة هيدروجينية، تكمن خُطورتها في كَون قوّة هذهِ القُنبلة تزيد على عَشرة أضعاف نَظيرتها التي ألقتها أمريكا على مدينة ناجازاكي اليابانيّة في نهاية الحرب العالميّة الثانية، وجاء نجاح التجربة مذهلا حسب الخبراء الإستراتيجيين الغربيين في هذا المجال، مما أقلق الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان أكثر من أيّ وقت مَضى، خصوصا وأن هذهِ القُنبلة يُمكن تركيبها على صواريخ باليستيّةٍ عابرةٍ للقارات يُمكن أن تَصل إلى الأراضي الأمريكية !
حالة من القلق والتوتر أصابت العالم خصوصا اليابان وكوريا الجنوبية، مما دفع الرئيس ترامب إلى أن يقول سياسة التهدئة مع كوريا الشماليّة “لم تَعد مُجديةً، وَدعا – وسط أنباء عن عَزمه إرسال حاملات طائرات إلى سواحل شِبه الجزيرة الكوبيّة- إلى فَرض عُقوبات اقتصاديّة ليس على كوريا الشماليّة فقط، وإنّما على الدّول التي تتعامل مَعها!
ولأن ترامب يجهل الكثير في العلاقات الدولية لم يدرك أن تصريحه سوف يخلق تكتلات جديدة في المنطقة، خصوصا إذا عَرفنا أن 90% من تجارة كوريا الشماليّة هي مع الصين، فإن هذا يعني أن تهديدات الولايات المتحدة بالعُقوبات مُوجّهةٌ إلى بكين التي تَملك أكثر من تريليون دولار من سَندات الخزينة الأمريكية، وتُعتبر أهم شريك تجاري مع واشنطن، وكما يقول خبراء السياسة والعلاقات الدولية إنه إذا أقدم ترامب على هذه الخطوة فإن حاله سيكون كحال من يُطلق النّار على قَدمه!
ولعل التنسيق الذي بدأ بين رئيسي الصين وروسيا خلال قمة البريكس بشأن الأزمة بين كوريا الشمالية وأمريكا يؤكد تغيير التكتيك بين دول عظمي قد تغير المعادلة، فلا يصبح أمام ترامب غير خيارين لا ثالث لهما.. الأول هو أن يلجأ إلى استخدام القوّة العسكريّة ضد كوريا الشماليّة، وهذا ربّما يُؤدّي إلى تفجير حَربٍ نوويّةٍ قد يَكون حُلفاء واشنطن في اليابان وكوريا الجنوبية والقوّات الأمريكيّة في قَواعدها أبرز الضّحايا، والثاني أن تَعترف هذه الإدارة بكوريا دولةً نوويّةً وتَفتح حوارًا مَعها على هذا الأساس للتوصّل إلى اتفاق كما فعلت الإدارة الأمريكية مع إيران رغم ما يبدو على السطح من خلافات!
في المقابل هل يتنازل ترامب عن العنجهية الأمريكية ببساطة.. أم كونه يجيد التجارة، ويمارس الابتزاز الدولي لحساب أمريكا، فسوف يستفيد من الأزمة إلى آخر مدى ثم يجري اتفاقا مع كوريا الشمالية في النهاية، كما فعل أوباما مع كوبا بعد أكثر من 50 عاما من القطيعة، وكما وقع اتفاق 5 + 1 مع إيران.
أظن أن ترامب كتاجر مُحترف وسِمسار أسلحة ربّما يَستغل هذه الأزمة لابتزاز اليابان وكوريا الجنوبيّة، واستغلال رُعبهما من القوّة النوويّة لكوريا الشمالية لبَيعهما صَفقات أسلحة وأنظمة دفاعيّة صاروخيّة بمِليارات الدولارات، فتعمل مصانع السلاح الأمريكي دون توقف، ويضمن ترامب مساندة لوبيات السلاح والصناعة في معركته ضد هيلاري كلينتون وبقايا نظام أوباما والديمقراطيين، ليستمر رئيسا في فترته الأولى وربما الثانية.
الإهانة التي وجهها صاحب الوجه الطفولي إلى أمريكا وهو يبتسم لم تستطع واشنطن أن ترد عليها إلا بالتصريح بـ ”رد عسكري شامل” في حال هددت كوريا الشمالية أراضي الولايات المتحدة أو أي من حلفائها، والمطالبة بنزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية.. رغم أنها تدرك صعوبة الرد العسكري للاعتبارات السابق ذكرها !
رضيت أمريكا أو لم ترض ستدخل كوريا الشمالية النادي النووي باعتراف المنظمات الدولية وبالأمر الواقع، لأن كوريا الشمالية تجيد سياسة حافة الهاوية، وقدرتها على ضرب مصالح أمريكا وحلفائها في المنطقة عالية، بينما على أمريكا أن تنتبه لوجود الصين في المنطقة إذا قررت ضرب كوريا الشمالية.
العالم لا يعرف غير لغة القوة خصوصا العسكرية في المقام الأول، ولا تعرف الدول الكبري غير لغة المصالح وسياسة حافة الهاوية، ولعلنا لا ننسي إسرائيل وإيران وكوبا وكوريا الشمالية الذين يقفون أمام المجتمع الدولي بندية وقوة !