الحكومة قررت بدء حملة قومية جديدة لتخفيض النمو السكاني تحت شعار “تنمية مصر- طفلين وبس” في جميع المحافظات بعد أن وصل عدد السكان إلي 100 مليون نسمة ، وصرحت وزيرة التضامن الاجتماعي بأنه تم رصد 100 مليون جنيه للمرحلة الأولي من الحملة التي سيبدأ تنفيذها في محافظات صعيد مصر الأعلى خصوبة والأكثر فقرا وهي .. الجيزة وبني سويف وقنا والمنيا وأسيوط وسوهاج والبحيرة وأسوان والفيوم والأقصر لمدة عامين . يبدو أن الحكومة فوجئت بوصولنا إلي 100 مليون نسمة ، وكأنها لا تعرف معدل الزيادة السنوية في المواليد فقررت أن تعيد تجربة حملات تنظيم الأسرة التي لم تحد من تفاقم المشكلة السكانية علي مدار عقود ماضية ، ومن لديه أي أرقام أو معدلات تقول أن هذه الحملات أتت ثمارها فليعرضها علينا ! الملايين الكثيرة التي تم إنفاقها علي تلك الحملات ضاعت سدي بلا أي فائدة بدليل هذا الارتفاع المتزايد وكان يمكن الاستفادة منها في برامج تشغيل هذه الزيادة السكانية أو في تنمية مهارات هذه الزيادة لتصبح قادرة علي العمل والإنتاج في ميادين العمل المختلفة فتتحول الزيادة من نقمة إلي نعمة . السؤال .. هل تري الحكومة فائدة من إهدار ملايين الجنيهات علي حملات هي تدرك أن نتائجها لن تكون جيدة ولن تحقق شيئا في فرملة عجلة الإنجاب السريعة ؟ وهل الحكومة حتى الآن لا تعرف الأسباب الحقيقية وراء زيادة معدلات الإنجاب ، أم أنها تعرفها ولا تهتم بغير تنظيم الحملات التي تستغرق يومين أو ثلاثة أو الأسبوع علي أكثر تقدير تذهب فيه نصف نفقات الحملة علي بدلات الاجتماعات واللجان والسفر إلي محافظات الصعيد والإعلان عن حملات تحولت إلي أغاني يرددها الناس للتسلية ؟ ما زلنا نذكر الأغنية الشهيرة لأحد حملات تنظيم الأسرة ( حسنين ومحمدين ) وكيف أثارت جدلا كبيرا وقت إذاعتها وكان السؤال وقتها حول مدى نجاح هذه الأغنية في المساهمة في علاج المشكلة السكانية والحث على تنظيم الأسرة ، وأذكر وقتها أن الكثير في قري الريف والنجوع تصورا أنها تدعو لضرورة إنجاب ولدين بصرف النظر عن إنجاب البنات فتكررت عمليات الإنجاب لتحقيق هذا الهدف ! وما زلنا نتذكر الفنان أحمد ماهر وهو يردد بصوت ذكوري خشن (الراجل مش بس بكلمته .. الراجل برعايته لبيته وأسرته ) في إطار حملة أخري من حملات إهدار المال بلا عائد التي للأسف لم تغير معنى الرجولة الراسخة في عقول الكثير من رجال الريف والصعيد، وهي أن كثرة الإنجاب دليل على فحولته حتى لو نسى الرجل عدد أولاده وأسماءهم ! وكان شعار ( احسبها صح .. تعيشها صح ) الذي يروج لمفهوم العدد القليل لأفراد الأسرة يجعلها تتمتع بحياة جيدة ومريحة .. هو أيضا جاء بنتائج عكسية لأن الأصح من وجهة نظر الأسر في الريف والصعيد هو كثرة العيال التي تساعد في زراعة الأرض لزيادة دخل الأسرة بصرف النظر عن التعليم شعارات لحملات كثيرة خطط لها مسئولون لمواجهة الزيادة السكانية ( الست مفيدة ، والولد زي البنت ، وبالخلفة الكتير .. يتهد حيلك وجوزك يروح لغيرك ، وأولادنا زرعة عمرنا .. وعشان تصح زرعتك قلل خلفتك .. وغيرها الكثير الذي لا يحصي ) لكن هؤلاء المسئولين لم ينتبهوا إلي علاج المشكلة من أساسها .. أهدروا المليارات علي تسليط الضوء فقط علي مخاطر الزيادة السكانية بالكلام والشعارات والإعلانات ، ورغم أنهم يعرفون جيدا أسباب هذه المشكلة إلا أنهم لم يفكروا في اقتحامها وعلاجها ! لو أن الدولة فطنت من عقود سابقة إلي أن التعليم هو الحصن الذي تحتمي به الدول وهو الترياق الذي يعالج أمراض الشعوب لكانت أنفقت كل هذه الأموال لتحسين التعليم وتطويره ليصبح المواطن قادرا علي تسيير حياته بعقل رشيد وقادرا علي التخلص من كل الأفكار البالية التي عفا عليها الزمن فتخلص من مفهوم ( الأولاد عزوة ، والرجولة هي القدرة الذكورية ) ! ولو فطنت الدولة من سنوات إلي تحسين الصحة لما اضطر رب الأسرة المريض إلي كثرة الإنجاب للاعتماد عليهم لتحسين دخل أسرته بصرف النظر عن العدد أو التعليم ! الخلاصة .. حملات وشعارات وأموال طائلة وتجارب بلا عائد .. مشكلة الزيادة السكانية لها حلول عملية وقوانين طبقتها دول غيرنا ونجحت .. ونحن نستطيع محاكاة تجارب غيرنا بعد تمصيرها حتى لا تتعارض مع دستورنا حيث استقرت الأحكام الشرعية على أن صدور قانون ينظم النسل محرم شرعاً وبالتالي لا يجوز إصدار مثل هذا القانون لمخالفته أحكام الدستور، ومن أجل ذلك يجوز للدولة التحكم في الزيادة السكانية من خلال تشريع يلزم الدولة بالدعم للأسرة التي لا تتجاوز أربعة أفراد (الزوج والزوجة وطفلين) وأما الأسرة التي يزيد عدد أفرادها على ذلك فإنها لا تتمتع بدعم من الدولة ومن خلال ذلك يمكن التحكم فى الزيادة السكانية .. وبذلك نوفر الملايين التي تنفق علي الحملات وندعم بها من يلتزمون بالقانون .