أتذكر أننى قمت فى عام 2001 بزيارة قصيرة لصنعاء وعدن فى قمة التوحد اليمنى بين شطريه الشمالى والجنوبى، وبمباركة من جيران اليمن خاصة المملكة العربية السعودية، والتقيت بإخوة يمنيين يتميزون بالطيبة ويعشقون مصر والمصريين. لكن لاحظت أمورا سلبية منها مثلا انتشار المظاهر المسلحة حيث يحمل المواطن اليمنى كل أنواع الأسلحة بدون ضابط ولا رابط، بل ان الاسلحة بمختلف أحجامها كانت تباع – علنا – فى إشارات المرور فى شوارع صنعاء، ولاحظت أيضا مظاهر الفقر والفاقة وتدنى مستوى المعيشة لتصبح اليمن واحدة من أفقر دول العالم. قلت آنذاك إن كل هذه الأمور حتما ستقود إلى نتائج غير محمودة العواقب وهو ما حدث بالفعل.
تداعت هذه الزيارة إلى الذاكرة عندما تابعت التطورات الدراماتيكية السريعة التى شهدها اليمن الأسبوع الماضى، وكان من بينها مقتل أحد الساسة التاريخيين العرب «على عبدالله صالح» بأيدى حلفائه السابقين من جماعة عبدالملك الحوثى، جعلت اليمن يدخل منعطفا جديدا ربما أعاد الأزمة اليمنية إلى ما يمكن تسميته «المربع رقم واحد» لتصبح اليمن اليوم واحدة من أكثر بؤر الصراع تأججا فى عالمنا العربى.
وهناك رأى يرى أنه فى غياب «صالح» ربما تطوى اليمن صفحة دموية فى تاريخها، وتبدأ صفحة جديدة تمنح الفرقاء فرصة الاتفاق على حقن الدماء وعودة الاستقرار. وأظن أن هذا الرأى يتحقق فى حالة واحدة فقط، إذا كان الغياب قد طال أيضا الجانب الحوثى، وهو ما لم يحدث وعليه مع استمرار سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء ومحافظات أخرى، ووجود فصائل يمنية مسلحة تمثل النظام الشرعى الذى يقوده الرئيس عبدربه منصور هادى وفصائل أخرى تابعة لحزب المؤتمر الشعبى العام، ومع استمرار التحالف العربى بقيادة السعودية فى التدخل العسكرى باليمن وتحرك ايران لدعم الحوثيين فى العلن مرة وفى الخفاء مرات، نقول إن الرأى الغالب هو استمرارية الصراع بشكل اكثر حدة.
ويظل الشعب اليمنى المغلوب على أمره هو من يدفع الثمن، ويصبح ضحية لحسابات قوى سياسية داخلية – يمنية – وقوى أخرى خارجية إقليمية وقوى دولية تتربص بالعالم العربى من اجل تفتيته وتركيعه.
ويصبح من الصعب التوفيق بين أطراف الصراع فى الوقت الحالى من اجل التوصل لتسوية سياسية، وأرى أن انقلاب صالح على الحوثى قبل أيام قليلة من عملية اغتياله كان يمكن – لو قدر له النجاح – أن يفتح الطريق أمام تسوية سياسية محتملة لا سيما إذا تم القضاء على التمرد الحوثى.
إن ما نراه فى المشهد اليمنى هو وصمة «عار» فى جبين العرب جميعا، لأنه نتاج التقاعس العربى عن إنقاذ اليمن عندما كانت كل المقدمات تشير الى أن اليمن فوق فوهة بركان وتركنا الأطماع الإيرانية تتعاظم وتتسلل إلى الأراضى اليمنية، وتزامن ذلك مع صمت الجامعة العربية التى عجزت عن التحرك من أجل منع تفاقم الموقف منذ عام 2007. ولهذا أدعو الجامعة العربية إلى اتخاذ التدابير فورا لبحث التطورات المؤسفة التى يشهدها اليمن خاصة فى جانبها الإنسانى، والتى تشكل تصعيدا خطيرا يضر بالأمن القومى العربى، والبحث فى تفعيل الحوار الوطنى اليمنى مع الالتزام بالحل السياسى للمشكلة، وفقا لقرارات الأمم المتحدة فى هذا الشأن لأن القادم فى اليمن هو الأصعب.