هل مشكلة سد النهضة الاثيوبي بين مصر واثيوبيا أصبحت عصية على الحل ؟ هناك وجهتا نظر في هذا الشأن :
ترى وجهة النظر الأولى أن اطرافا خارجية من مصلحتها تعقيد المشكلة في إطار خطة إنهاك مصر والعالم العربي التي بدأت عمليا عام 2011 مع ماسمي ” الربيع العربي ”
وترى وجهة النظر الثانية أن اطراف المشكلة تفتقد لأرضية تفاهم مشتركة خاصة من الجانب الاثيوبي وهي الرضية التي تقربها من لغة التعاون وتبعدها عن احتمالات المواجهة والصراع .
ورغم وجاهة طرح الرآي الأول إلا أنه يعتمد على منهج ” نظرية المؤامرة ” ولن يساعد في حل المشكلة أما الرآي الثاني فإنه الأكثر واقعية – في تصوري – لإنه يطرح منهجا سلميا يستند الى ” مبدأ المصلحة ” و يقدم طرحا عمليا لما يمكن تسميته الديبلوماسية المائية وهذا ما سنحاول عرضه في السطور التالية .
يتم تداول تعبير ” الديبلوماسية المائية ” في أدبيات العلوم السياسية بإعتباره بديلا لما يسمى ” حرب المياة ” التي باتت تهدد مناطق كثيرة في العالم بسبب الصراع على المياة نتيجة شحها لإنخفاض كمياتها بالأنهار عند دول المصب من ناحية أو لسوء استغلالها ما يجعل البعض يعتقد ان دول المنبع في وضع اقوى من دول المصب من ناحية آخرى .
ومما لاشك فيه ان العالم يعاني فعلا مشكلة حقيقية في الحصول على المياة سواء المستخدمة في الشرب او الري او الصرف الصحي على الرغم من ان نسبة المياة الى اليابسة على كوكب الأرض تتعدى الثلثين أي بنسبة 71% تقريبا غير ان نسبة المياة العذبة الصالحة للاستخدام الانساني الضرورية للحفاظ على صحة الإنسان وعلى كثير من النُظم الإيكولوجية التي توفر لنا الغذاء وسائر السلع والخدمات الأساسية لا تشكل المياه العذبة إلا ( 2.5٪ ) تقريباً من كل المياه المتاحة على كوكب الأرض، وعلاوة على ذلك فإن هناك نسبة كبيرة من هذه المياه العذبة يتعذر علينا الحصول عليها !.
وتعد منطقة الشرق الاوسط من اكثر المناطق تعرضا للمنازعات حول المياة نتيجة سوء الاستغلال حيث هناك كميات كبيرة من المياة المهدرة وتقدر عام 2017 في مصر ب 3.5 مليار متر مكعب وهو ما يمثل نسبة 60% من كمية المياه النقية المستهلكة او نتيجة السيطرة على منابع المياة وبالتالي امتلاك ميزة التحكم في حصص المياة المتجهة لدول المرور والمصب سواء بالزيادة او النقصان كما ان هذه المنطقة تعاني من ظاهرة ” التصحر” نتيجة وجود اكبر الصحراء الكبرى اكبر صحارى العالم وما يرتبط بهذه الظاهرة من مظاهر الجفاف والمجاعة وانتشار الامراض الامر الذي يتطلب إجراء دراسات متعمقة لهذه الاوضاع حتى نجد حلولا للمشكلات المترتبة عليها من خلال التعاون بين الدول المتجاورة التي تتحول بسبب المياه الى دول متصارعة ولهذا برزت الحاجة الى الديبلوماسية المائية .
وتعد مشكلة سد ” النهضة ” الاثيوبي من اكثر النماذج التي يمكن أن يطبق عليها المفهوم المتقدم حيث اختلفت دول حوض النيل بشأن هذه المشكلة واطرافها ثلاث دول هي ” مصر واثيوبيا والسودان ” وبغض النظر عن اختلاف المواقف من مع ومن ضد يهمنا ان نوضح سبب عدم حل المشكلة هو اختزالها في إقامة السد من عدمه ومن المفترض مناقشة المشكلة من منظور إفتقاد الوقوف على ارضية مشتركة تجمع مصالح اطراف المشكلة وهي بحكم التاريخ والجغرافيا يجب ان تكون مصلحة واحدة ولن تفد المزايدات السياسية في تحقيق نقاط قوة لطرف على حساب الاطراف الاخرى ولهذا اصبح من الضروري التعاطي مع مشكلة سد النهضة الاثيوبي من منظور عام يحقق مصالح الدول التي يجمعها نهر واحد ويربطها برباط حياة هو بلغة العلاقات بين الدول ” المصلحة المشتركة ” .
وعليه أصبح من الضروري تغليب العوامل المصلحية على العوامل الصراعية وبالاتفاق على الالتزام بالمعاهدات الدولية التي تحدد حصص كل دوله بدون زيادة او نقصان مع التزام هذه الدول بالعمل على توظيف إمكانات التكنزلوجيا الحديثة المتاحة والممكنة لمنع اهدار انصبتها المائية واعادة استغلالها بشكل يحقق اعلى نسبة استفادة ممكنة .
وفي تصوري ان ما عرضناه قد يعتبر صميم العمل الديبلوماسي في مسالة مياة النيل وبالتالي يمكن القول إن طرح فكرة ” التنمية المستدامة ” في هذه المنطقة من حوض نهر النيل يمكن ان تكون مدخلا موضوعيا لإقناع كل الاطراف بالتعاون معا في إطار ديبلوماسي يعكس تفاهما لضرورة إزالة كل نقاط التقاطع في العلاقات بينها التي لا تصل الى حد التباين او التناقض لان المياه هي قلب التنمية المستدامة ، وهي ضرورية للتنمية الاقتصادية الاجتماعية، والطاقة وإنتاج الغذاء وسلامة النظم الإيكولوجية وبقاء الإنسان. كما أن المياه كذلك في صلب عملية التكيف مع تغير المناخ حيث تضطلع بدور الرابط بين المجتمع والبيئة.
وعلى المستوى الإنساني، لا يمكن النظر إلى المياه بمعزل عن الصرف الصحي. فهما معا عاملين حيويين في خفض العبء العالمي من الأمراض، فضلا عن مالهما من دور في تحسين الصحة والتعليم والإنتاجية الاقتصادية للسكان ألستم معي إذن ان المشكلة اكبر من مجرد بناء سد من عدمه ؟! لهذا كم نحن في حاجة فعلا للديبلوماسية المائية .