عمار يا مصر
الحكاية بدأت من زمن سحيق .. منذ نشأت أول دولة مركزية في التاريخ ( مصر ) علي ضفاف النيل العظيم بحدود واضحة لم تتغير .. كانت تتسع رقعتها عندما تمتلك أدوات القوة ، وتنكمش عندما يصيبها الضعف والوهن فتعود إلي حدودها الأصلية التي نعرفها اليوم ، وبين القوة والضعف وقعت مصر تحت الاحتلال مرات عديدة نظرا لموقعها وخيرات أرضها حتى ظهرت العلوم الحديثة ومنها علم الجغرافيا السياسية الذي يقول أن مصر هي قلب العالم الجغرافي ومن يمتلك قلب العالم يمتلك العالم كله ويسيطر عليه ، لذلك كانت وستظل دائما مطمعا لغيرها والجائزة الكبرى في أي مؤامرة للسيطرة علي المنطقة التي تحتضن قلب العالم !
في 30 يونيو 2013 بدأت تفاصيل حكاية جديدة من حكايات مصر كان فيها الوطن في حالة اختطاف واضحة لا لبس فيها ، وكان الخاطفون يؤكدون أن الاختطاف سيدوم أكثر من خمسمائة عام علي الأقل ، وفي 2013 كان العالم يرقب باهتمام كبير تلك الصخرة الكبيرة التي أوقفت المؤامرة علي المنطقة وأفشلت مخططات التقسيم الجاهزة من ثمانينات القرن الماضي ، وأعطت بارقة أمل في المنطقة لكيفية الحفاظ علي الدولة الوطنية .. كانت الصخرة هي مصر ، وكان من الضروري عقاب مصر لهذا السبب .. فتداعت عليها الأمم ، واشتد تضييق الخناق عليها ، وازدوجت عليها المؤامرة فصارت خارجية وداخلية وكلتاهما لا تقل خطورة عن الأخرى وإن كانت الداخلية أخطر وأشرس !
الحكاية الأخيرة للوطن – والتي يعيشها الآن – بدأت بالفهم الصحيح لخطورتها ، وبقراءة صحيحة لنقاط القوة والضعف فيها ، وبرؤية واضحة ومسار لا بديل عنه يحقق المصلحة العامة ولا يلقي بالا أو اهتماما لشعبية قائد أو نسبة رضاء مؤقتة قد تضر أكثر مما تفيد .
في حكاية وطن كانت نقاط القوة هي شعب قائد ومعلم أدرك مؤامرة الاختطاف فهب لاسترداد الوطن ، وإرادة رئيس قرر أن يبني وطن علي أسس البناء الصحيحة فيهتم بالجوهر لا بالشكل ، ويواجه المرض قبل العرض ، وأعتقد أن الإيجابيات كافية لصنع حكاية وطن حقيقية يستطيع المصريون روايتها بفخر وأن تأخذ مكانها من التاريخ الحديث .
وكانت نقاط الضعف بالتحديد هي الزمن والمسافة والفساد وكان من الضروري التغلب عليهم بمسارات متوازية في عمل حقيقي وزمن قياسي يصل الليل بالنهار يشمل كل المساحات القريبة والبعيدة .
أدركت القيادة السياسية وأدرك معها الشعب أهمية الوقت لتحقيق الإنجاز – لعلمها باستمرار المؤامرة – فقالت ليس لدينا رفاهية الوقت فكان النموذج الأول في قناة السويس لينتهي العمل فيها في عام علي خلاف الكود العالمي لزمن تنفيذ مثل هذه المشروعات لتتجلي صورة المزج بين نقاط القوة والضعف ، وبعدها تنطلق مشروعات البنية التحتية اللازمة لبناء الدولة في معدلات زمنية قياسية بإرادة وقدرة مصرية خالصة في الطرق والأنفاق والكباري والمزارع السمكية والإسكان وإحلال العشوائيات والمدن الصناعية والحرفية والعاصمة الإدارية وعلاج فيروس سي وغيرها من المشروعات في حكاية يتجاوز عمرها ثلاث سنوات بقليل !
وكان إدراك القيادة السياسية والشعب القائد والمعلم للمسافة كبيرا وواعيا إذ لا يمكن بناء دولة حديثة قادرة علي نسبة لا تتجاوز 8% من مساحتها وبحدود تتجاوز آلاف الكيلومترات فكانت شبكة الطرق القومية التي تربط الوطن طولا وعرضا .. شمالا وجنوبا لتطأ أقدام المصريين أماكن لم تعرفها في الوطن ، وتهيئ المناخ للاستثمار في أراض بكر وغنية وتستخرج ثرواتها المعطلة من زمن بعيد بسبب قصور الرؤية الإستراتيجية والاستجابة لتعليمات الغرب في الابتعاد عن ملفات بعينها ، وكان توزيع المشروعات في كل محافظات الوطن ، وكان الربط الحقيقي بين الوادي وسيناء بعد طول عزلة بأنفاق عملاقة وبنية تحتية تخلق تنمية مستدامة فيها .
وكان تعبير الرئيس ( مسافة السكة ) دلالة واضحة علي رغبة مصر في طي المسافات واختصارها وقدرتها علي الوصول إليها خصوصا فيما يتعلق بالأمن القومي المصري والعربي وحماية حدود الدولة الوطنية وثرواتها في مياهها الإقليمية والاقتصادية فكان تحديث قواتنا المسلحة وتنويع مصادر تسليحها لنخرج من تبعية القرار وتكون قادرة علي الردع وجاهزة للرد ، وكانت السياسة الخارجية التي فتحت الآفاق علي الشرق والغرب والجنوب في علاقات قائمة علي الندية والمصالح المشتركة .
وكان إدراك القيادة لحجم الفساد الذي يعطل التنمية ويلتهم عوائدها مهما حيث بدأت الدولة في مواجهته بقوة وما زالت ، وبضوابط تغلق الباب علي الفساد والفاسدين في كل ما يتم علي أرضها من مشروعات ، وفي نفس الوقت تتم مواجهة الفساد والفاسدين علي مدار الساعة بلا خوف أو تراجع أو حسابات تمنع تحقيق الهدف ، ورأينا صورا وحكايات طالت نماذج كبيرة وصغيرة من أماكن حساسة ومراكز ما كانت سلطة من قبل تجرؤ علي الاقتراب منها .
في حكاية الوطن تفاصيل لا تكفيها صفحات ، ولا تستوعبها ساعات لتحكي معركة بناء وتنمية ومواجهة إرهاب وفساد وحركة 100 مليون مواطن يعيشون في أمن وأمان رغم كل المعاناة
باختصار حكاية وطن هي معركة بين نقاط القوة والضعف فيه ، وأعتقد أن نقاط القوة ستنتصر لا محالة علي نقاط الضعف بفضل شعب متماسك وإيمان لا يتزعزع بأن مصر تستحق .