كنا نتحدث الأسبوع الماضى عن مسيرة مصر عبر التاريخ، وذكرت بأنه بات مستقراً لدى بما يكفى أنها لم تترك أو يسمح لها ولو لمرة واحدة بأن تستكمل مرحلة تطور إختارتها هى، وذلك بإختلاف الأسباب وتداخلها، هل كانت خارجية أم داخلية، وهل تم ذلك بطريقة سلمية أم عسكرية؟! وأيًا ما كان الأمر لكنه وفى النهاية دائما ما يتم غلق الباب على مصر كلما شرعت فى إختيار طريقها نحو التقدم والرقى، فتتوقف مسيرة نموها وتطورها بكل آسف سواء على المستوى السياسى أو الاقتصادى أو الاجتماعى أو الثقافى.
ولعلى لم أستدع تلك النقطة من أجل البكاء على اللبن السكون، ولكن ربما كان الهدف الأساسى هو الإستفادة من الماضى وإستيعاب دروس التاريخ المنسية ، لأننا وللآسف الشديد إعتدنا ألا نتعلم من تاريخنا بالقدر المناسب، بل أجدنا نميل أكثر إلى الذهاب بالقول وبالتفكير التفسير التأمرى للتاريخ أو نظرية المؤامرة الخارجية وخداع الآخرين لنا- ولا يجب أن ننكر ذلك أو نتجاهله فساذج من يفعل- ولكننا بالإستمرار فى التغريد بذلك ، وإلقاء اللوم الدائم على الآخرين فقط، إنما نختار الأسهل من الطرق، لنعفى أنفسنا من الأسس التى تبنى بها الأوطان : كالعمل، التفكير، و النضال الحقيقي لصد أعدائنا.
وكنت قد أشرت أيضا فى مقالى السابق إلى مرحلة الإنتخابات الرئاسية الحالية، وذكرت أننى قد تمنيت مع من تمنوا أن تجرى تلك الإنتخابات كما تجرى فى العديد من الديمقراطيات الغربية، وذلك فى مشهد لائق وسط عدد لا بأس به من المرشحين الجديرين بالمنصب الحساس والرفيع، ووسط زخم سياسى متمثل فى صراع بين برامج وطنية تنموية متعددة تصب أهدافها فى مصلحة إدارة وطن كبير بحجم مصر، على أن تتم العملية الإنتخابية فى ظل وجود حياة حزبية قوية تسيطر عليها الأجواء التنافسية الشريفة ، مع تواجد أفراد مستقلين لهم رؤاهم الوطنية السديدة أيضا .
إلا أننا أمام واقع مغاير، وهذا الواقع له أسبابه التى تضرب جذورها فى الماضى البعيد، وهى لا تخص المشهد السياسى الحالى – وقد يطول شرح تلك الأسباب التاريخية- وذلك ابتدأ من تكوين أول مجلس شورى للنواب فى القرن التاسع عشر ، ولذا فمن السطحية بل من العيب أيضا أن نردد الهراء الذى يتادوله أعداؤنا على الفضائيات المعادية ومواقع التواصل الإجتماعى من كلمات حق ولكن المراد بها باطل فيما يخص التهم الموجهه للمشهد الإنتخابى الحالى والحديث الهزلى والساذج الخبيث حولها.
ولعلى أتفق تماما مع أولويات المرحلة فى أهمية تثبيت أركان الدولة المصرية ، إلا أننى أرى أنه من المقبول ومن الطبيعى أن أجد من يختلف مع السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى ربما فى بعض الأولويات التى يعمل عليها، أو فى فيما يخص التأثيرات الخاصة بإجراءات الإصلاحات الإقتصادية على ممارسة متطلبات الحياة اليومية، أو حتى فى كم المشروعات القومية من بنية تحتية وطرق وغيرهما والتى تقام حاليا فى طول البلاد وعرضها،.. إلا أن هذا كله شىء وتقييمنا للحياة السياسة فى مصر بشكل عام و للمشهد الانتخابى الحالى بشكل خاص شىء آخر ، وهنا وجب أن نعترف بأننا مجتمع بلا تقاليد ديمقراطية حقيقية حتى الآن، كما يجب أن ندرك تماما- ونحن نقيم المشهد- أننا نمر بمرحلة إنتقال سياسى صعبة لبناء وتثبيت قواعد الدولة، وتحتاج تلك المرحلة من كل فرد فينا إلى الاجتهاد قدر الإمكان للوصول إلى المرحلة الأهم التى نسعى إليها جميعا، وهى مرحلة إستكمال بناء الدولة المصرية التى تتحقق فيها القيم التى هتافت بها قلوبنا فى ٢٥ يناير : ك العدالة الإجتماعية والكرامة الإنسانية والحرية .