إذا أردنا تطوير التعليم في مصر علينا ان نجعل منه مشروعنا القومي الذي يلتف حوله ابناء الوطن ولكن بشكل يبعد عن الترقيع أو الإصلاح الجزئي أو المرحلي .
وفي تصوري يحتاج هذا المشروع كوكبة من المتخصصين الدارسين تجارب الشعوب الآخرى في تطوير العملية التعليمية وقد بعث لي احد المهتمين بالقضية المهندس عبد السلام عبد الرازق رأيه في هذا الموضوع المهم قائلا ” إن تطوير التعليم يعد من أولويات الأمن القومى المصري وتاريخيا بعد هزيمة 1967 لم يكن حاملوا الشهادات يجندون فى القوات المسلحة ولم يكن الانتصار ليتحقق بدون ادخال المؤهلات والمتعلمين فى منظومة تعتمد على تكنولوجيا متطورة فى صفوف القوات المسلحة ” ، واستطرد قائلا ” من يريد ان يلحق بركب الدول المتقدمة عليه أن يجعل من التعليم بدايته الصحيحة ” .
واتفق مع هذا الرأي تماما وأضيف عليه أن مصر تحتاج نظاما تعليميا راسخا يعيد بناء الشخصية الوطنية التي تعرف معنى القيم والأخلاق وتستعيد احترامها للقدوة والمثل الأعلى فقد انهار النظام التعليمي عندما حذفت الوزارة المنوط بها التعليم التربية من مسماها الأمر الذي ترتب عليه فقدان قدسية المدرسة وضاعت رهبة المعلم وفقد دوره مع تدني دخله المادي حيث أن رواتب المعلمين الاقل في مصر ما تسبب في ظاهرة الدروس الخصوصية وظهور نظام تعليم موازي للتعليم الرسمي فهل هذا المعلم الذي يشعر بالاحباط يستطيع تخريج الاجيال ؟
ومن الأشياء الغريبة أن ميزانية التعليم في مصر جامدة منذ عام 1978 ولهذا اعتبر خطوة اولى مهمة ان يوافق مجلس النواب على اعتماد مبلغ إضافي يصل الى 61 مليار جنيه لميزانية التعليم التي تقدر ب 89 مليار ويقال إنها سوف تخصص للتطوير وإعداد المعلم .
ولكن ماهو التطوير المطلوب لمنظومة التعليم ؟ أرى أن الأمر يتحقق بإستعادة دور المدرسة الفعلي من جهة والإرتقاء بالمستوى المهني والمادي للمعلمين من جهة اخرى بحيث يتكامل دور المدرسة التربوي مع دور الاسرة واذا اردنا العبور من عنق الزجاجة دعونا نتذكر دائما مقولة الدكتور طه حسين الخالدة ” التعليم كالماء والهواء ” وبالتالي ربط التعليم بدفع ثمنه المادي عن طريق التوسع في التعليم الخاص والتعليم الاجنبي تحت عباءة المدارس الدولية فيما يقابله تراجع في التعليم الحكومي امر لا يتسق مع طموحاتنا في البناء والتنمية ويغض الطرف عما يجب تحقيقه من عدالة اجتماعية لكل من ينتمي لهذا الوطن بعبارة اخرى ان تحويل التعليم الى سلعة تباع وتشترى وتقاس بالقدرة على الدفع فإننا نصبح أمام نظام تعليمي يدمر الحاضر والمستقبل فهل راعى اي مشروع للتطوير هذه النقطة تحديدا ام كما نسمع ان المدارس الخاصة والدولية خارج سلطة وزارة التعليم ؟
إن التعليم أمن قومي اذا اعتبرنا أنه جزء من التنمية المستدامة لهذه الأمة ولهذا يجب أن نضع مشروع التطوير على رأس أولويات اي حكومة حالية او قادمة ولا ترتبط بوزير جاء او رحل ونتذكر انه اذا اردت ان تدمر شعبا فلتبدأ بإفساد نظامه التعليمي الوطني واستحدث اشكالا موازيه جاذبة للصفوة على اي حال أتصور أن ملف قضية التعليم سيظل مفتوحا !