بعد أن دب الخلاف بينهما فى الرأى …
قال له : شوف يا خالد إحنا أصدقاء, ولكن المصلحة حاجة تانية وإنت عارف إنت إن إنت زى العسل, وسوف يتجمع حولك الذئاب وتبقى مشكلة ونتصادم, وأنا أفضل إنك تسافر ….
فرد: أسافر باريس؟؟.
فقاطعه بقوله : باريس فيها حركة سياسية يسارية نشطة, وسوف تدفعك للإنغماس فيها, وأنا أفضل انك تكون فى مكان هادىء….. وكان يقصد بالمكان الهادىء سويسرا.
دار هذا الحديث ما بين الرئيس والزعيم الراحل جمال عبد الناصر و زعيم اليسار المصرى الذى رحل عن عالمنا فى الأيام الماضية خالد محى الدين, وقد سطره – أى الحديث- آخر فرسان ثورة يوليو فى مذكراته التى حملت اسم “والآن أتكلم…”.
تلك المذكرات التى كشف لنا فيها عن مدى صعوبة الفترة التى عاشها فى المنفى أثناء إقامته فى”جنيف” بعد خلافه مع الرئيس عبد الناصر, والتى كتب فيها أيضا شهادته عن عصره وعن الثورة وعن حياته, كما تحدث فيها بكل صدق عن رفاقه من الضباط الأحرار: محمد نجيب وعبد الناصر والسادات وعبد الحكيم عامر ويوسف صديق ….حديث الضمير والحق.
وماذا فى مقدور الكلمة الحزينة أن تفعل ! لا شىء … فلعلى أكتب كلماتى اليوم لأرثى الكرامة والرجولة , أرثى الجدية فى العمل , أرثى الكبرياء فى الحق, أرثى فضائل الإنسان فى مسيرة النضال لخالد محى الدين, فالمتأمل لحياته يدرك تماما أنه أمام شخصية غير عادية ومن الصعب تكرارها, فلم تجده يوما يسعى وراء الصدامات, وقد كان صاحب مشروع سياسى وإنسانى إنحاز فيه كل الإنحياز للطبقات العريضة والفقيرة من الجماهير, كما إرتبط أيضا بصداقات مهمة مع الكثير من الرموز المصرية فى مختلف الحقب الزمنية.
وبكل آسف فالمناخ العام السائد لم يتح كثيرا لأبناء جيلى أن يتعرفوا على رمز إنسانى وسياسى كخالد محى الدين الذى ربما أصبح جسده ساكنا الآن الا أن إرثه لازال يتحرك, فهو مؤسس حزب التجمع, وأيضا مؤسس جريدة المساء “أول جريدة مسائية”, وقد خدم أهالى دائرة كفر شكر التى كان نائبا لها فى البرلمان منذ عام 1957م , وكان له كذلك دور بارز فى محاولات حل مشاكل أهل النوبة أثناء التهجير, كما كان أيضا من مؤسسى مجلس السلام العالمى.
أطلق عليه عبد الناصر “جرة العسل”معللا ذلك بأن الذباب لا يهبط إلا على العسل وكان يقصد بالذباب المنتفعين,ونعلم أنه اختلف معه فى “الحريات”. كما سماه السادات ب ” الصاغ الاحمر” بسبب أفكاره اليسارية, ونعلم أيضا اختلف معه فى “برامج الإنفتاح” وسياسات الخصخصة وتشريد العمال.
كان يصلى فى صباه مع دراويش تكية السادة النقشبندى ,… كما كان يجتمع فى بيت جمال عبد الناصر مع زملائه من الضباط الاحرار للتخطيط للإستقلال وتحرير الوطن من الإحتلال …. كان مع الديموقراطية بكل المعانى غير مهادن فى التمسك بقيمها، وقد كان ذلك من ضمن أهم أسباب خلافه مع أقرب والأصدقاء إليه وأقصد جمال عبد الناصر والذى سمى إبنه البكر على إسم خالد محى الدين.
كان إشتراكيا بمرجعية مركسية وفى ذات الوقت مسلما مؤمنا ومتمسكا بكل مبادىء الدين الاسلامى….كان مثقف من طراز خاص حيث جمع روح العسكرية المصرية وتراث وثقافة مصر الممتد.
رحم الله الثائر الحقيقى صاحب الفكر الحر والعقيدة السليمة.
سؤال للزمن :
يوليو يستحق أكثر … أليس هو الدرس الأكثر تأثيرا فى تاريخ هذه الامة؟؟؟ فلنفحصه ولنعاود فحصه بحثا عن الحقيقة ….الحقيقة ..؟ أى عبارة هذه التى خطها القلم؟ وهل ثمة حقيقة غير حقيقة؟.
خالد محى الدين – والآن أتكلم.