حقق النمو الهائل في تكنولوجيا الاتصال طفرة في تدفق المعلومات والمعارف محلياً ودولياً مع تجاوز حدود المكان والزمان. ورغم الإيجابيات الكثيرة للهواتف المحمولة وشبكات التواصل عبر الإنترنت، إلا أنها تنطوي علي العديد من المخاطر، ولعل أبرزها انتشار موجة جديدة من الجرائم عن بعد.
والتي تسمي بالجرائم الإلكترونية. يتم ارتكاب تلك الجرائم بشكل فردي أوجماعي من خلال شبكات منظمة تعمل في مجالات بث الشائعات، ونشر الأفكار المنحرفة، والتجسس، وغسيل الأموال ، والإرهاب. عادة ما يتمتع المجرم الذي يرتكب هذه الجرائم بمهارة عالية في استخدام الكمبيوتر والتقنيات الجديدة، وحيث يصعب السيطرة علي مدخلات شبكة الإنترنت مما يعوق سرعة اكتشاف هذه الجرائم أوتحديد مصادرها، فقد يستخدم الجاني اسماً مستعاراً للتخفي مما يجعل الكثير من هذه الجرائم يقيد ضد مجهول، فقد يصعب الوصول إلي الدليل القاطع علي المجرم لكونه يستخدم العديد من وسائل الحماية الفنية مثل كلمة السر أوالترميز أوالتشفير لإعاقة المحاولات الأمنية الرامية للوصول إلي تلك المواقع أوالاطلاع عليها أونسخها، وكذلك سهولة محوالدليل في زمن قصير جداً حال التعرف علي الجاني. عادة ما تكون هذه النوعية من الجرائم عبارة عن أرقام أوبيانات يمكن محوها من السجلات المخزنة في ذاكرة الكمبيوتر، وهي لا تترك أثراً خارجياً مرئياً وبالتالي يصعب اكتشافها، ويزيد من تلك الصعوبة بث تلك المعلومات عبر الدول والقارات باستخدام مواقع الاتصال الإلكترونية. تتخذ الجرائم الإلكترونية الموجهة ضد الأفراد صوراً عديدة مثل السب والقذف والتشهير والملاحقة والاعتداء علي حرمة الحياة الخاصة والتحريض والتحرش والاستيلاء علي الصور الخاصة ومقاطع الفيديو. انتشرت جرائم التجسس علي الأفراد عبر الإنترنت عن طريق إدخال ملف تجسس إلي جهاز حاسب المجني عليه ليقوم هذا الجهاز بفتح أحد المنافذ في جهاز المجني عليه لنقل كل محتوياته لصالح الشخص المخترق، ويستطيع هذا المخترق السيطرة علي جهاز المجني عليه والعبث به بالحذف والإضافة كيفما يشاء. ويضاف إلي ذلك جرائم الاعتداء علي حقوق الملكية الفكرية من خلال النسخ غير المشروع للكتب والبحوث والأعمال الفنية والإبداعية وتداولها دونما اعتبار لمنتجها الأصلي. هناك أيضاً جرائم التحريض علي العنف والإرهاب، حيث يلاحظ المتصفح لشبكة الإنترنت العديد من المواقع التي تحرض علي ارتكاب جرائم الإرهاب، وكيفية تصنيع مواد التفجير، واستخدام الإنترنت كوسيلة للتواصل بين الإرهابيين ونقل التكليفات من قياداتهم. وتمتد الجرائم الإلكترونية لتشمل بث الأفكار المنحرفة والشائعات المغرضة بما يهدد ثوابت المجتمع ويصيبه بضرر بالغ، ويحقق مكاسب سياسية للمتطرفين. أما جرائم الأموال فهي تلك المرتبطة بالأمور المالية والاقتصادية التي تستهدف الاستيلاء علي أموال الغير، أوتخريب النظم المعلوماتية داخل المنظمات المالية مثل البنوك، والاستخدام غير المشروع للعلامات التجارية، وجرائم غسيل الأموال التي تعتمد علي الحسابات البنكية وأوامر التحويلات وعمليات البيع والشراء عبر الإنترنت، وجرائم التجارة الالكترونية مثل الاعتداء علي التوقيع الالكتروني، وبطاقات الإئتمان الممغنطة والكروت الذكية. لقد أصبحت عمليات التجسس علي المعلومات المعالجة الكترونياً وسرقتها تشكل تهديداً كبيراً للمنظمات الحكومية والخاصة التي تعتمد أعمالها علي الحاسبات والشبكات الإلكترونية بقصد الاستيلاء علي أموال أو أصول أوخدمات غير مستحقة. كل ذلك يفرض علي أجهزة الأمن تحديات هائلة في إعداد وتأهيل كوادر أمنية قادرة علي مواجهة هذا النوع من الجرائم المستحدثة، والتعاون مع الدول الأخري علي المستويين الإقليمي والدولي لمواجهتها، وعلي وسائل الإعلام واجب الإفاقة من غيبوبتها والعمل علي توعية الجماهير بهذه الجرائم واتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة.