على العالم أن يتنفس الصعداء على ضوء الأحداث والتطورات الداخلية الأمريكية المتصاعدة التي تنال من جدارة دونالد ترامب بأن يكون رئيساً للولايات المتحدة، سواء كانت هذه الأحداث والتطورات تتعلق بالاتهامات الموجهة للرئيس ترامب بتعمده عرقلة التحقيق حول التدخل الروسي المحتمل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة التي فاز فيها على منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون (2016) أو كانت تخص الجرائم الأخلاقية المنسوبة للرئيس بعد اعتراف محاميه السابق مايكل كوهين أمام محكمة أمريكية بأنه دفع مبالغ مالية من أموال الحملة الانتخابية الرئاسية لامرأتين أكدتا أنهما أقامتا علاقة جنسية مع المرشح ترامب مقابل التزامهما الصمت لتفادي الآثار السلبية لانتشار مثل تلك المعلومات على الحملة الرئاسية لترامب. مثل هذه الأحداث والتطورات يمكن أن تنحصر نتائجها، في احتمالين فإما أن تؤدي إلى عزل ترامب عن الحكم، وهذا احتمال قد يبدو ضعيفاً وله شروطه الصعبة، لكنه يمكن أن يحدث، وإما أن تؤدي إلى عدم التجديد لترامب بولاية رئاسية ثانية في الانتخابات التي ستجرى عام 2020، أي بعد عامين من الآن. وفي كلا الحالين يمكننا أن نقول أن على العالم يستعد من الآن للدخول في عصر ما بعد دونالد ترامب.
ما يؤكد جدية الخطر الذي يواجه ترامب الآن بعد توالي الأنباء غير السارة، وخاصة على ضوء اعترافات محاميه مايكل كوهين وأيضاً اعترافات محامي مايكل كوهين ثم إدانة مدير حملة ترامب الانتخابية عام 2016 بول مانافورت باتهامات تتعلق بالتهرب الضريبي والاحتيال المصرفي هي ردود الفعل الانفعالية التي وردت على لسان ترامب وكشف فيها عن عمق شعوره بالتهديد في الاستمرار كرئيس للولايات المتحدة، وإدراكه للمخاطر التي يمكن أن تترتب على النتائج المحتملة في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس التي ستجرى في 6 نوفمبر المقبل، والتي يمكن أن تمكن خصومه الديمقراطيين من أغلبية بمجلسي الكونجرس (النواب والشيوخ) تكفي للشروع في بدء إجراءات عزله عن الرئاسة.
فقد حذر ترامب من أن “الاقتصاد الأمريكي سوف ينهار في حال تم عزله” وخاطب الأمريكيين في مقابلة مع محطة “فوكس نيوز” الأمريكية قائلاً: “أقول لكم أنه في حال تم عزلي اعتقد أن الأسواق ستنهار.. أعتقد أن الجميع سيصبحون فقراء جداً”. لم يكتف ترامب بذلك في محاولة منه لقطع الطريق على تداعي أحداث الفضائح والتحقيقات التي أخذت تهدده، ووصل الأمر إلى التهديد باندلاع أعمال عنف في حال خسارة الجمهوريين لانتخابات التجديد النصفي للكونجرس، حسب ما كشفت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية نقلاً عن تسجيل صوتي سري من داخل البيت الأبيض لاجتماع مغلق عقده ترامب مع أكثر من مائة قيادة للمسيحيين الإنجيليين (تيار الصهيونية المسيحية الأقوى دعماً لإسرائيل في الولايات المتحدة). في هذا الاجتماع خاطب ترامب هؤلاء القادة “الحلفاء” محذراً من خطر فوز الديمقراطيين بأغلبية الكونجرس وقال: “إنهم (الديمقراطيون) سيقلبون كل ما حققناه، وكل شئ فعلناه، إنهم سيفعلون ذلك بسرعة وبعنف، بل وبكل عنف، نعم سيكون هناك عنف”، واختتم تحذيره وتحفيزه لقادة تيار المسيحية الإنجيلية بقوله “إن جزءاً من هذه الأحداث سيقع بسبب بعض الأشياء التي فعلتها لكم (ربما يقصد الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقل السفارة الأمريكية إليها)، ولعائلتي، وما فعلته في نهاية المطاف من أجلكم”، وأكد أن “السادس من نوفمبر المقبل (موعد إجراء انتخابات التجديد النصفي للكونجرس) سيكون بمنزلة استفتاء ليس على مجرد شخصي كرئيس للبلاد، وإنما على دينكم”، وحمل هؤلاء القادة مسئولية “حمل أنصارهم على النزول إلى الشوارع والتصويت لمصلحة الحزب الجمهوري”.
شعور ترامب بالخطر يتفاقم مع تواتر سقوط رجاله المقربين في كوارث وجرائم قانونية وعزم بعضهم على تبرئة نفسه بالاعتراف عليه، كما هو حال محاميه السابق مايكل كوهين الذي اعترف بأنه دفع أموالاً للمرأتين من صندوق الحملة الانتخابية بعلم ترامب لإسكاتهما، فقد كشف “لاني ديفيس” محامي كوهين أن موكله يمكن أن يكون مفيداً للمدعي الخاص روبرت موللر المكلف بالتحقيق المتشعب في قضية التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية عام 2016، واحتمال وجود تواطؤ من فريق حملة ترامب مع روسيا للتأثير على نتيجة الاقتراع، وقال لشبكة “إم أس إن بي سي” الأمريكية أن “ثمة إفادات يمكن أن يدلي بها كوهين تظهر أن ترامب كان على علم بالحملة الإلكترونية الروسية للتأثير على الانتخابات”. المثير في الأمر أكثر، وما يزيد الخطر الذي يشعر به ترامب ويشعره بالقلق هو تشديد ديفيس على أن كوهين الذي أقر بتزوير حسابات مصرفية وارتكاب انتهاكات في تمويل حملة الانتخابات “لن يقبل بأي عفو من الرئيس”. موضحاً أن كوهين “لا يأمل في الحصول على العفو بل إنه لن يقبله، وأنه اختار أن يقول، من الآن فصاعداً الحقيقة فقط عن الرئيس”.
تطورات وأحداث تؤكد أن ما هو قادم هو الأسوأ بالنسبة للرئيس الأمريكي، والمعنى واضح وهو أن عالم دونالد ترامب قد انتهى ويبقى بعد ذلك ما هو أهم وما يجب أن يشغلنا ويشغل كل العالم وهو: ماذا بعد رحيل دونالد ترامب؟
توجد أسئلة كثيرة من المؤكد أنها ستفرض نفسها حتماً من نوع: ما هي مآلات السياسة العدوانية الأمريكية ضد الحلفاء الأوروبيين؟ وما هي خيارات واشنطن المستقبلية مع إيران؟ وكيف سيكون حال الدول العربية الخليجية التي أسرفت في المراهنة على ترامب كحليف ضد إيران، خاصة وأن دعوة ترامب لتأسيس تحالف أمريكي- خليجي ضد إيران على غرار حلف الناتو مازالت في مهدها؟ وما هي خيارات هذه الدول وخاصة ما يخص الأمن الخليجي بعد رحيل ترامب؟ لكن الأهم هو رهانات إسرائيل على ترامب لتصفية القضية الفلسطينية، خصوصاً مع الانهيار المؤكد لما سمي بـ “صفقة القرن”.
أكثر ما يلفت الانتباه بهذا الخصوص ما ذكرته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية بقولها أنه “في حالة محاكمة الرئيس الأمريكي فإن التحقيقات ضد مايكل كوهين محامي ترامب السابق والناشر ديفيد بيكير صاحب شركة أمريكان ميديا”، وآلن وايسلبرج المدير المالي لمؤسسة ترامب سنصعد حملة كراهية ضد اليهود في أمريكا, وذلك لأن الثلاثة رجال الخاضعين للتحقيق, هم من اليهود البارزين في المجتمع الأمريكي, ما يعني أن الخطر علي ترامب قد يمتد الي حلفاءه, وهم كثر سواء داخل أمريكا أو خارجها, وهم أول من يعنيهم البحث في عالم ما بعد دونالد ترامب.