تمتلك مدينة بورسعيد مقومات عديدة كفيلة بأن تجعلها واحدة من أهم المناطق فى مصر، من الناحية الاقتصادية والسياحية، وكان هذا هو الأمل عندما اتخذ قرارا بتحويلها إلى منطقة حرة فى منتصف السبعينيات من القرن الماضى، بعد معاناة التهجير والحروب المتعاقبة 56 و67 و73 التى تحملها أبناء القناة عموماً عن طيب خاطر.
ولكن ما حدث فى العقود الأربعة الأخيرة كان صدمة لأبناء المدينة التى دوماً توصف بالباسلة حيث جاء مشروع المنطقة الحرة بنتائج عكس ما كان مأمولاً من أن تكون مثل هونج كونج وتايوان سنغافورة، منطقة حرة إنتاجية بمعنى الكلمة وإنشاء مراكز للصناعات التحويلية والتجميعية مثل السيارات والأجهزة المعمرة والإلكترونية والملابس وغيرها، وتوقعنا تهافت المستثمرين على بورسعيد من كل حدب وصوب حاملين أسماء البراندات العالمية، ولكن ما وجدناه أن المنطقة الحرة لم تكن إنتاجية بل كانت استهلاكية، تعتمد على استيراد السلع الرديئة والجيدة على حد سواء مثل الأحذية والملابس الجديدة والمستعملة «البالة» والمواد الغذائية والسلع الكمالية بكل أنواعها وقليل من السلع الأساسية، وكأن الهدف من المنطقة الحرة استقبال الرحلات والحصول منها على جمارك هزيلة.
ومن رحم المنطقة الحرة الاستهلاكية، ولد نشاط غير شرعى هو التهريب الذى تعددت أشكاله ومنافذه وأصبح له ناسه والمتعاملون فيه من داخل المدينة وخارجها وبات شكلاً من أشكال الفساد الذى لم تنجح أى حكومة خلال الأربعين عاماً الماضية فى وقفه أو اجتثاثه.
وبعد أن كان اسم بورسعيد مرتبطاً بالبطولة والفداء، ارتبط الاسم بالتهريب والسلع الرديئة رخيصة الثمن وبدلاً من إصلاح حال المدينة تعمد نظام حسنى مبارك تجاهل بورسعيد، وتركت لمدة ثلاثين عاماً بلا اهتمام، ما أدى إلى تردى أحوال المرافق وتفاقمت المشاكل الاجتماعية وضاقت الشوارع بالإشغالات، بل أغلق بعضها أمام انتشار قيم الكسب السريع واختفى كثير من الحرف التقليدية وتحولت المحال أو معظمها إلى مخازن للسلع المستوردة.
ومما يذكر أن إمارة دبى أقامت منطقة حرة فى جبل على عام 1995 أى بعد إنشاء المنطقة الحرة ببورسعيد بـ 20 عاماً وأصبحت دبى الآن مركزاً تجارياً ومحطة اقتصادية وسياحية أكثر رواجاً من غيرها من المناطق الحرة.. ويظل السؤال لماذا وصلت المنطقة الحرة فى بورسعيد إلى هذا الحال الذى لا تحسد عليه؟.. الإجابة ربما فيما تعرضت له المدينة من ظلم وتجاهل أو فى سوء تطبيق القرارات المتعلقة بها، على أى حال ما زلنا نتمسك بالأمل أن يكون قرار تطوير المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وقفة عملية لإزالة أسباب الظلم الذى تعرضت له بورسعيد وبداية لعمل دراسات وبحوث جدوى لعودة الوجه المشرق لمدينة بورسعيد، ولا شك أن مشروعات الربط بين ضفتى القناة من خلال الكبارى والأنفاق وشق طرق جديدة فى سيناء وشرق بورفؤاد، ما سيجعل بورسعيد فى مقدمة المناطق المستفيدة من هذه المشروعات ما سيسهم فى حلحلة مشكلتى الإسكان والبطالة على سبيل المثال لا الحصر.
أعلم أن مشكلات المدينة كثيرة، وحل كثير منها ليس بأيدى التنفيذيين المسئولين عنها لكن هذه المشكلات والإلحاح على حلها بأيدى نواب بورسعيد فى البرلمان لا سيما مشكلة غياب بورسعيد عن الخريطة السياحية لمصر وما زال الملف مفتوحاً.