بعد أن استطاع الرئيس الراحل أنور السادات أن يخطو بالصراع العربى الإسرائيلى إلى منعطف السلام مع الدولة العبرية، ردد أكثر من مرة مقولتين مهمتين أثرتا بشكل كبير على توجهات الفكر السياسى بالشرق الأوسط لسنوات طويلة.
المقولة الأولى: «إن حرب أكتوبر هى آخر الحروب بالمنطقة»، والمقولة الأخرى: «إن 99% من أوراق اللعبة بيد الولايات المتحدة»، ويمكن القول إن الظروف الموضوعية التى كانت تمر بها المنطقة جعلت الرجل يعتقد فيما يقوله ووجدناه يبنى كثيرا من سياساته وفقا لهذا الاعتقاد الذى تحمس له الكثيرون، وذلك لأسباب ثلاثة أكدتها تطورات الأحداث الاقليمية والدولية خال السنوات التالية حتى اغتياله يوم 6 اكتوبر 1981:
< السبب الأول أن الحرب الباردة كانت فى طريقها إلى أن تلفظ أنفاسها الأخيرة ولم يأت عقد التسعينيات إلا وقد انفرط عقد الاتحاد السوفيتى وما كان يسمى المعسكر الشيوعى، وأصبح العالم تحكمه قواعد لعبة جديدة أحادية الجانب تراجعت فيها فكرة القطبية الثنائية المتمثلة فى الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى.
< السبب الثانى أن الانتصار الذى حققه الجيش العربى المصرى يوم السادس من أكتوير عام 1973 على جيش إسرائيل الذى سوق لنفسه كثيرا بين جيوش العالم وروج بأنه الجيش الذى لا يقهر نقول كان من الصعب أن يتكرر هذا الانتصار مرة أخرى فى حرب نظامية تقليدية مشابهة، حرب أجبرت الاسرائيليين على الاعتراف بالهزيمة ولكن السادات منحهم من وجهة نظرنا – فرصة من خلال مبادرته لإعادة صياغة معطيات خريطة الشرق الأوسط من جديد بناء على معالم الواقع الجديد الناتج عن حرب أكتوبر ثم الاتجاه نحو السلام ونبذ دعاوى الحرب!
< السبب الثالث تراجع لحمة التضامن العربى بعد زيارة السادات لإسرائيل نتيجة فشل العرب فى احتواء مبادرة السادات السلامية، وتوجيهها لصالح استثمار نصر أكتوبر أو على الأقل عدم التصعيد لعزل مصر إقليميا أو عربيا، ما أدى إلى ضرب القوة العربية فى مقتل التى تجلت فى أروع صورها خلال معارك أكتوبر المجيدة فى سيناء والجولان، الأمر الذى ساهم فى تأكيد اتجاه الهيمنة الأمريكية على منطقة الشرق الأوسط وأن جميع القرارات المتعلقة بالمنطقة باتت بأيدى الإدارة الأمريكية.
وخلال ثلاثين عاما من حكم الرئيس حسنى مبارك، انعكست ظلال مقولتى السادات على سياسات مصر وترتب على ذلك تراجع الدور الريادى الإقليمى لمصر نتيجة الارتكان على الحليف الأمريكى، حتى عادت مصر للبيت العربى وتفهم الأشقاء أن قوة الأمة العربية كامنة فى الشقيقة الكبرى وقوة مصر فى وجودها بموقع القلب من الجسد العربى وعادت الجامعة العربية الى مقرها بالقاهرة.
وخلال 45 عاما منذ حرب أكتوبر عام 1973 حتى الآن شهد العالم تطورات حقيقية استبدلت فيها الولايات المتحدة عدوها التقليدى الشيوعية بعدو آخر غير منظور صنعت واشنطن بداياته منذ الغزو السوفيتى لأفغانستان عام 1979 ليواجهه.. والأسبوع القادم نستكمل إن شاء الله.