حرب أكتوبر المجيدة كانت وستظل علامة فارقة في تاريخ مصر المعاصر، وشرف للعسكرية المصرية، وعزة وكرامة وفخر للشعب المصري البطل.. ليس لكونها حققت انتصارًا تاريخيًا على إسرائيل، وليس لأنها سحقت خط برليف وداست عليه كما تدوس القدم على بيت من رمال صنعه طفل على شاطئ البحر، وليس لأنها كانت في عز الظهر- وهو توقيت لم تعرفه الحروب العسكرية بين الجيوش، حيث تبدأ الحروب مع أول ضوء أو آخر ضوء- وليس لأنها حققت السيطرة على طول الجبهة وعبرت أكبر وأعقد مانع مائي في ست ساعات، وغير ذلك من تفاصيل دقيقة ومعجزة وقفت أمامها الأكاديميات العسكرية في العالم طويلًا، وأقرتها كعلم من العلوم العسكرية التي تدرسها لطلابها.
ولكن لأنها صنعت روحًا تسري في وجدان الشعب المصري أطلقنا عليها روح أكتوبر، كلما تعثرنا أو ضلت أقدامنا الطريق استدعيناها نستلهم منها القدرة على التحدي والصمود واستكمال الطريق.
أكتوبر ملحمة لن تنتهي فصولها، ولن تنضب حكاياتها وستظل شاهدة على عظمة المصريين الذين خططوا وقاتلوا واستشهدوا وأصيبوا وصنعوا لمصر تاريخا نفخر به لأنها ببساطة روح، والروح لا تموت.
في الذكرى الخامسة والأربعين نتذكر حرب أكتوبر بالنصر المبين والفخر، وتتذكرها إسرائيل بالهزيمة والقهر والمرارة، وبعد 45 عاما يشعر نتنياهو بمرارة العلقم في حلقه، وفي عشية احتفال حكومته بعيد الغفران يستذكر العبور العظيم ويقول: “قبل 45 عاما أخطأت الاستخبارات العسكرية حين فسرت بشكل خاطئ النوايا المصرية والسورية لشن حرب علينا، وبعد أن اتضحت صحة تلك النوايا، ارتكب النسق السياسي خطأ كبيرًا عندما لم يسمح آنذاك بشن ضربة استباقية” وأضاف: “لن نرتكب هذا الخطأ مرة أخرى أبدا”، وأكد عزم بلاده على التحرك بلا هوادة من أجل منع أعدائها من التزود بأسلحة متطورة.
هذا ما تشعر به إسرائيل منذ الهزيمة في 1973 حتى اليوم وإلى آخر الزمن وهذا يؤكد لنا وللأجيال التي لا تعرف كثيرًا عن حرب أكتوبر غير سطور قليلة في كتب المدارس، وللأجيال التي لا تعرف عن نصر أكتوبر غير يوم الإجازة أو كوبري أكتوبر أو مدينة 6 أكتوبر أن هذا النصر العظيم- وبعد كل هذه السنوات– أحدث جرحًا غائرًا في جسد وعقل الكيان الصهيوني الغاصب ما زال ينزف حتى اليوم وسيظل ينزف طويلا!
ربما يكون تصريح نتنياهو مر مرور الكرام ولم يلتفت إليه أحد أو يسلط الإعلام الضوء عليه لكشف نوايا إسرائيل تجاهنا وتجاه المنطقة العربية.. لكنه تصريح كاشف يستحق التوقف أمامه طويلا لتحليل ما بين السطور فيه.
– نتنياهو يقول: (لن نكرر أخطاء الماضي في مواجهة أعدائنا)، وهذا يعني قولا واحدا أن إسرائيل لا ولن تعترف بأي سلام في المنطقة إلا بشروطها، وتعتبر كل من حولها أعداء لها، سواء كانت هناك اتفاقيات سلام أم لا!
– ويقول: (أخطأت الاستخبارات الإسرائيلية عندما فسرت بشكل خاطئ النوايا المصرية والسورية في شن هجوم علينا)، وهذا يؤكد أن أسطورة المخابرات الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي هما (وهم) صورته لنا ماكينة الدعاية الإسرائيلية والصهيونية العالمية، وأننا في مصر نملك جهاز استخبارات استطاع أن ينفذ وبمهارة صدمت العالم خطة خداع استراتيجي على أعلى مستوى فأفقدت إسرائيل القدرة على الاستيعاب والرد، وشلت حركتها حتى تم العبور وحتى صرخت جولدا مائير واستغاثت بأمريكا التي فتحت لها جسرًا جويًا نزلت منه الدبابات أرض المعركة مباشرة!
– الأخطر في تصريحه هو (عزم بلاده على التحرك بلا هوادة من أجل منع أعدائها من التزود بأسلحة متطورة) وهذا يفسر بوضوح كيف تقرأ القيادة المصرية عدوها إسرائيل، ولماذا قررت القيادة السياسية في مصر فتح ملف تنويع مصادر السلاح وإنهاء الاعتماد على السلاح الأمريكي بشكل كامل، الذي يحقق تفوقا نوعيا لإسرائيل علينا؟ ولماذا اهتمت القيادة السياسية بتطوير الجيش وتجديد عقيدته العسكرية القتالية للدفاع عن الوطن، وتطوير أسلحته الهجومية والدفاعية، وامتداد السيطرة البحرية والجوية على مستوى النطاق الإقليمي؟
تصريحات نتنياهو أجابت عن أسئلة رددها البعض عن غير فهم، ويرددها البعض من الكارهين والخونة للنيل من الجيش المصري لحساب إسرائيل التي تتمنى العيش بين دول الطوق النظيف.. دول بلا جيوش أو قوة عسكرية.
ستظل روح أكتوبر سارية، وسيظل اعتقادنا أن العدو الرئيسي هو الكيان الصهيوني الغاصب، وستظل إسرائيل ترى الجيش المصري هو العقبة الكؤود في طريق أحلام دولتها الكبرى، وستظل (مرارة العلقم) في حلق الكيان الغاصب حتى تخنقه.
تحية للشعب المصري وتحية واجبة لشهداء الوطن والواجب في كل حروب مصر ومعاركها المقدسة، وتعظيم سلام لكل مقاتل في جيشنا العظيم من القائد الأعلى إلى آخر جندي قاتل وساهم في تحقيق النصر ورد الكرامة والاعتبار.. ولا أستثني منهم أحدًا.
كل عام ومصر بخير ودائما تحيا مصر