لم تنس إسرائيل هزيمتها في حرب 1973 بدليل أن كلمات النشيد الوطني الإسرائيلي المسمى (هاتيكفاه) ظلت، على رغم اداعاءات إحلال السلام بين العرب والإسرائيليين، تتردد معبرة عن أحلام الفكر التوسعي للدولة العبرية وآماله، حيث تقول: «طالما في القلب تكمن، نفس يهودية تتوق، وللأمام نحو الشرق، عين تنظر إلى صهيون؛ أملنا لم يضع بعد، أمل عمره ألفا سنة، أن نكون أمّة حرّة في بلادنا، بلاد صهيون وأورشليم القدس».
كان من المفترض أن يتغير «هاتيكفاه» إذا كانت إسرائيل صادقة في السلام مع العرب؛ الأمر الذي يجعلنا نتوقف أمام النهج الإسرائيلي للتعايش في منطقة الشرق الأوسط من خلال قراءتين مقارنتين؛ الأولى لخريطة الصراعات في المنطقة في عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، والثانية للخريطة ذاتها في العقد الحالي. نجد أن الخريطة الأولى كانت أكثر استقراراً، وانعكس ذلك في وجود أشكال مختلفة للتعاون العربي المشترك وتمثَّل في إيجابية دور جامعة الدول العربية التي كانت شجاعة في اتخاذ القرار في ذلك الوقت ووصل التعاون العربي أوجه خلال حرب 1973 عندما حوّل الملك فيصل بن عبدالعزيز النفط إلى سلاح فاعل قلب الموازين الدولية قبل الإقليمية وكانت إسرائيل تعاني في تلك الحقبة من اختلال ميزان الأمن نتيجة تصاعد حدة الانتفاضات الفلسطينية في الأراضي المحتلة.
وأثبتت الأحداث أن الصراع العربي الإسرائيلي لم ينته بعد بل اتخذ أشكالاً جديدة! وفي القراءة الثانية للعقد الحالي تغيرت قواعد اللعبة واختلفت الأساليب في عملية المواجهة، بخاصة مذ أن نشبت الصراعات واشتدت الأزمات في المنطقة وتراجع العمل العربي المشترك وصاحبه ضعف غير مسبوق للإرداة العربية، حتى أضحت الجامعة العربية مجرد منتدى للقاء الأشقاء وتراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية مع ضغط القضايا الجديدة الناشبة في أنحاء متعددة من العالم العربي. وأصبحت إسرائيل المستفيد الأول من الوضع العربي الراهن، ككيان يتباهى باستقراره السياسي والاقتصادي وسط محيط عربي تحوّل فيه الأخوة إلى أعداء.
ولعبت إسرائيل على وتر الأمن والاستقرار والتقدم التكنولوجي الذي بشرت به عندما طرح شيمعون بيريز أفكاره بشأن ما يسمى «الشرق الأوسط الجديد» وكانت نقطة الانطلاق لتجهيز ثورات الربيع العربي ، وترجمتها هيلاري كلينتون وكونداليزا رايس تفصيلاً في نظرية «الفوضى الخلاقة» التي اعتمدت على فكرة تدمير المجتمعات من الداخل ومن دون تدخل مباشر في الجوانب الصراعية لأي أزمة حتى أصبح الشرق الأوسط أكثر بؤر العالم سخونة وأصبحت إسرائيل أكثر دول المنطقة استقراراً.
وهكذا عملت إسرائيل على استمرار الحال على ما هو عليه بخاصة في ما يتعلق بالحروب الأهلية ودعم التنظيمات الإرهابية وفي مقدمها «داعش». ولا يستغرب أن إسرائيل لم تكن في يوم من الأيام على أجندة هذه التنظيمات التي «تجاهد» لتدمير دول عربية وإسلامية. ما تقدم يجعلنا نجزم أن إسرائيل كلما تذكَّرت مرارة الهزيمة في 73 كلما أمعنت في ممارساتها المعادية لأطروحات السلام. ولكن نتساءل: كيف ينجح العالم العربي في استعادة لحمته ولم شمله من جديد؟ سؤال لا تمكن الإجابة عليه إلا من خلال قراءة متأنية للتاريخ وما تحقق من انتصارات بفضل العمل العربي المشترك.
وفي تصوري أن دور مصر مهم أيضاً للإجابة عن هذا التساؤل المطروح الذي يبحث في الكيفية ولا يناقش أسباب التداعي العربي التي أصبحت لا تخفى على أحد. إن الحالة العربية الراهنة، هي نتيجة طبيعية، لأن مصر ظلت لسنوات طويلة لا تتبوأ مركز الصدارة، ما أفقد الزخم العربي معناه وانعكس ذلك على وظيفة جامعة الدول العربية التي من المفترض أن تقوم بجمع القوى العربية لمصلحة الأمة ككل، ومن ثم يصبح من الضروري أن تتم معالجة الأزمات العربية بروح ونهج عروبي يعلي من قيم الانتماء العربي.
بعبارة أخرى إن تدويل المشكلات والصراعات في المنطقة العربية لن يزيدها إلا تعقيداً. ونقول مثلاً إنه بالنسبة إلى الأزمة في سورية: «ارفعوا أيديكم عن هذا القطر العربي الشقيق واتركوا الشعب السوري يقرر مصيره بإرادة حرة»، ما يعني توقف لغة القتال وسفك الدماء وإعطاء فرصة للحلول السياسية لكي تؤتي ثمارها وإن ما يريده السوريون هو الذي سيتحقق على الأرض، فلا مصالح في سورية غير مصلحة الشعب السوري إذا كانت الجماعة الدولية صادقة مع نفسها!
ومن هنا، لا بد أن يكون هناك ثمة تعاون بين الجامعة العربية ومنظمة الأمم المتحدة، لحلحلة الوضع في الأراضي السورية مع ضرورة وضع حد للعربدة الإسرائيلية خارج الجولان المحتل، وما ينطبق على سورية يمكن جعله شرعة منهجاً في التعامل مع بقية الأزمات في العالم العربي الحالية والمستجدة. ومن الضروري كذلك أن تتوحد كل جهود الدول العربية في الحرب على الإرهاب وتتوقف الأطراف التي تساهم في دعمه بصورة أو بأخرى في الخفاء من أجل مصالح خاصة أو أهداف محدودة، فلا يوجد طرف بمنأى عن خطر الإرهاب، إذ إن الجميع في قارب واحد وتلك حقيقة يغض البعض الطرف عنها.
وأعتقد أن الجامعة العربية عليها مهمة عظيمة في تحقيق ما نطرحه من رؤى تعيد إلى العرب قوتهم ووحدتهم التي بات البعض يعتبرها أفكاراً من الماضي كما يروج المتشائمون والمحبطون.