عنوان المقال.. نصيحة وجهتها سيدة ستينية ” وقورة ” من داخل عربة مترو الأنفاق لشاب في مقتبل العمر يشتكي يأسه وبأسه بصوت مكلوم إلى الله عز وجل.. نظر الشاب إلى السيدة وسرعان ما أنهى حالته التي كان عليها بابتسامة باهتة إرضاء لها ثم حمد الله على كل وأي شيء.
وبروح مرحة استكملت السيدة حديثها حتى تُخرج الشاب من حالته، فقالت أنها قرأت ذات مرة عن عشق الشعب الياباني للابتسامة نظرا لإيمانهم العميق بأن الضحك الهادئ – المتزن يجلب لهم الحظ السعيد.. وتطرقت في حديثها عن موقف فريق من الشباب والشابات اليابانيين الذين خصصوا ساعتين من وقتهم يوميا لرسم الابتسامة على وجوه مواطنيهم بعد تدمير مدينتيهما “ناجازاكي وهيروشيما” بالقنابل النووية الأمريكية في الحرب العالمية الثانية.. فكانت النتيجة كما نراها اليوم – هكذا أوضحت الستينية – سرعان ما نهضت اليابان من محنتها في زمن قياسي جدا وسيطرت – بصناعتها الدقيقة – على السوق العالمية.. انتهت نصيحة السيدة وشكرها الشاب على رقي حديثها واهتمامها بشأنه.
ولأنني مهتم جدا برصد بعض ما يدور في مترو الأنفاق من حكايات وأحداث تترجم إلى حد بعيد المزاج العام لشريحة كبيرة من سكان وزائري القاهرة الكبرى خلال رحلاتي اليومية داخل هذا العالم الجميل.. فقد لاحظت في وجوه الركاب المُتعَبة، والضاحكة، والمتأملة، روايات مثمرة جدا قد تختلف وقد تتشابه، ومع ذلك فكل حكاية منها – كما أوضحت ذلك في كتابي ” رحال في مترو الأنفاق ” – تمثل صفحة من دفتر الوطن، أقرؤها بنهم وحب، وأقلب الدفتر سعيا إلى المزيد والمزيد.
نصيحة السيدة للشاب.. وحكايتها عن ” الفريق الياباني ” الذي تخصص في رسم الابتسامة على وجوه اليابانيين في أحلك ظروفهم.. جعلني أبحث عما كتبه العلماء والخبراء والشعراء والأدباء عن أهمية الابتسامة في حياتنا.. فمثلا أثبتت الدراسات التي أجراها المتخصصون أن الابتسامة تحافظ على صحة الإنسان النفسية والعصبية والبدنية.. كما تساعده على خفض ضغط دمه، وتُنشط دورته الدموية وتقوي جهاز مناعتة وتُزيل قلقه وتوتره وترخي عضلاته، وتجنبه الإصابة بنوبات القلب وأمراض السكري والسكتة الدماغية وأمراض العقل، كما توضح الدراسات الطبية أيضا أن الابتسامة تطيل العمر، لأنها أحد الأسباب الرئيسية في إفراز هرمون يساعد القلب على التخلص من الإجهاد ويجعل الجسم بحالة صحية جيدة طوال الوقت.
والابتسامة – كما وصفها الأدباء – : وسيلة حية للتعبير عما يجول بخاطر الإنسان تجاه أخيه، وهي تعبير صادق ورونقُ جمال وإشراقة أمل تَميّزنا عن باقي الكائنات الحية لتضفي على وجهنا الراحة والانشراح والانبساط.. وهي السبب الرئيسي في إقبالنا على الحياة بشكل عام والعمل بشكل خاص، وهي أيضا النافذة التي ندخل من خلالها إلى قلوب ونفوس من حولنا، وخاصة أثناء مناقشاتنا وتعاملاتنا اليومية، وهي كذلك السبب الجوهري خلف نجاح الكثيرين منا وتميزهم، حيث يتسم الشخص المبتسم بأنه الأكثر جاذبية وثقة بالنفس وقدرة على إقناع الآخرين وحل مشاكلهم.
ومنذ وقت ليس بالقريب.. اهتمام العالم بالابتسامة حتى أنها أصبحت علم يُدرس وفن يُمارس لتحسين العلاقات الإنسانية وتنمية الجوانب الاقتصادية والدبلوماسية بين الشعوب.. علم تم الاعتراف به بداية القرن العشرين وسمي بـ “علم نفس الضحك”.. ولا شك أن معظمنا يعتريه أكدار وهموم وأحزان وغموم تحتاج – حقيقة – إلى من ينير ظلمتها بشيء من الابتسامة الرفيعة والضحكة المتزنة والدعابة المقبولة.
وهذا ما سبق وأوصي به رسولنا الكريم سيدنا محمد – صل الله عليه وسلم – قبل 1400 عام عندما حضنا على الابتسامة وجعلها صدقة يتصدق بها العبد لنيل رضا الخالق عز وجل.. عن أبو ذر الغفاري عن قال رسول الله – صل الله عليه وسلم – قال: ” تَبَسُّمُكَ في وجْهِ أخِيك لكَ صدَقةٌ ، و أمرُك بالمعروفِ و نهيُك عن المنكرِ صدقةٌ ، و إِرْشادُك الرجلَ في أرضِ الضَّلالِ لكَ صدَقةٌ ، و إماطَتُك الحجرَ و الشَّوْكَ و العظْمَ عن الطَّريقِ لكَ صدَقةٌ ، و إِفراغُك من دَلْوِك في دَلْوِ أخِيكَ لكَ صدَقةٌ”.. ويقول الإمام على كرم الله وجهه:
“ولربما ابتسمَ الوقورُ من الأذى * وفؤادُه من حَرَّه يتأوهُ “.