مرت ذكرى مذبحة مدرسة بحر البقر يوم 8 أبريل الجاري علينا مرور الكرام دون أن نلقى الضوء عليها.. ومن باب العلم بالشئ حتى ننشط ذاكرتنا بنوعية العدو الذى ارتكب هذه الجريمة في قرية “هرية رزنة” مركز الحسينية في محافظة الشرقية.. فقد قادتني الصدفة البحتة بزيارة هذه القرية برفقة زميل سلاح أثناء فترة تجنيدي بقواتنا المسلحة في سيناء الحبيبة عام 1985.. كانت المدرسة وقت المجزرة عبارة ثلاثة فصول يدرس بها 130 طفلا تبدأ أعمارهم من 6 وحتى 12 عامًا.. أثناء الزيارة وقعت عيني على سجل ملئ بذكريات جريمة بشعة ارتكبها طيران العدو اللعين يوم 8 أبريل عام 1970 بحق 80 طفلاً بريئا.. استشهد منهم 30 وأصيب 50 آخرين بخمس قنابل وصاروخين كانت تحملها طائرات الفانتوم الأمريكية لتمزق أجسادهم الطاهرة وتحولها إلى أشلاء ودماء متناثرة على أرضية الفصول وأوراق كراريسهم وكتبهم ولقيماتهم البسيطة وبقايا دككهم الخشبية التي كانوا يحصلون عليها دروسهم.
هذه المجزرة أكدت أننا أمام عدو لا يعترف بدين أو أعراف أو قوانين.. عدو يتعامل مع غيره بفوقية ممقوتة وغريزة انتقامية غير مبررة لتحقيق أهدافه غير الشرعية في السيطرة على المنطقة لنهب ثرواتها وإذلال شعوبها بمساعدة دول كبرى مثل أمريكا وغيرها.. وأذكر بهذه المناسبة ما كتبه شاعرنا الكبير الراحل صلاح جاهين عن هذه المذبحة مخاطبًا ضمير العالم “الميت أصلا” بقصيدة يقول فيها: «الدرس انتهى لموا الكراريس بالدم اللي على ورقهم سال.. في قصر الأمم المتحدة مسابقة لرسوم الأطفال.. إيه رأيك في البقع الحمرا يا ضمير العالم يا عزيزي.. دي لطفلة مصرية سمرا كانت من أشطر تلاميذي».
ولأننا عشنا ومازلنا حتى اللحظة نعيش في محيط عالم بلا ضمير.. عالم لا يعرف ولا يعترف ولا يتعامل إلا بمنطق المصالح والبلطجة والقوة من خلال مؤسسات صهيو – عالمية ظالمة.. فكان لزاما على أبطالنا أن يثأروا لفلذات أكبادنا على طريقتهم الخاصة وفي أقرب وقت ممكن.. وبالفعل تولى تنفيذ هذه المهمة الجسورة عناصر من سلاح الصاعقة بقيادة الضابطين: محمد التميمي وعبد الحميد خليفة.. فقتلوا 35 ضابطا ومجندا من قوات العدو في عمليتين كبيرتين سميت في التاريخ العسكري الإسرائيلي “السبت الحزين”.
لاحظ معي عزيزي القارئ.. أبطالنا – كعادتهم دائما وأبدا – لم يثأروا لأطفالنا من مدنيين إسرائيليين في مدارس أو مستشفيات كما فعل العدو ويفعل دائما.. وهنا تتجلي الأخلاق الحميدة والعقيدة القتالية الشريفة لقواتنا المسلحة في تعاملهم مع العدو مهما وصلت درجة “سفالته” و ” حقارته” و “نذالته” و”إجرامه” عملا بقول الله تعالى:” وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا، إن الله لا يحب المعتدين”.. (سورة البقرة.. الآية 190).
وقد يَتَّخِذُ ضعاف النفوس قاعدة “المعاملة بالمثل” مبرّرًا ليفعلوا ما يشاءون في أعدائهم، محاربين أكانوا أو مدنيّين، وقد حدث ذلك مرارا.. لكن الجيش المصري منذ نشأته لا يُقِرُّ أبدا القسوة أو الظلم مهما كانت المبرّرات.. متحليا في ذلك أيضا برحمة حبيبنا وطب قلوبنا – صلى الله عليه وسلم – الذي تجلت في حرصه ليس على الأسرى فقط.. بل حتى بحق القتلى ومشاعر ذويهم؛ لذا فقد نهى – عليه الصلاة والسلام – عن النهب والتمثيل بالجثث.. فعن عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال: “نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النُّهْبَى، والمُثْلَة”.. وقد كشف عن أخلاقه – صلى الله عليه وسلم – بحق من مثلوا بعمه حمزة بن عبد المطلب – رضي الله عنه – في غزوة أحد.. فلم يمثل بقاتل عمه.. وهكذا كانت أخلاق المسلمين الأوائل.. فلم يَرِدْ في التاريخ حادثة واحدة تقول أنهم مَثَّلوا بأحدٍ من أعدائهم.
لكن ثقافة وعقيدة جيش الاحتلال لا تعترف إطلاقا بحرمة دماء وقدسية جثث الشهداء سواء أكانوا مدنيين أو عسكريين.. وخير دليل على ذلك الفيلم الإسرائيلي الوثائقي “روح شاكيد” الذي كشف قيام فرقة من الجيش الإسرائيلي بقيادة الضابط بنيامين بن إليعيزر – الذي شغل لاحقا عدة مناصب وزارية لاحقا – بعد انتهاء حرب يونيو 1967 بقتل 250 أسيرا مصريا عزلا ودفنوهم في سيناء.. وأظن أنه من حقنا الآن ومن قبل أن نطالب المنظمات العالمية – التي تدعى زورا وعدوانا الحيادية – بالتعويض المادي والمعنوي عن تلك الجرائم الموثقة بالصوت والصورة.. مش كده ولا إيه؟!