تفرد المؤتمر الدولي السنوي لمجمع اللغة العربية بالقاهرة في دورته الخامسة والثمانين بطرح قضية اللغة العربية في وسائل الاتصال الحديثة، وهي قضية مهمة بكل المعايير.
حيث تشهد اللغة العزبية الفصحي في بلادنا أوضاعا انتكاسية بالنظر إلي الواقع اللغوي العربي الحالي الذي يتمخض عنه توجيه لغوي متنام ومطرد، وهذا من خلال الاستعمال والممارسات اللغوية لخليط من الأنماط اللغوية من مختلف لغات الاستعمال اليومي: العربية الفصحي، اللهجات الدارجة،اللغات الأجنبية. وقد أسهمت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي في نشر وبث لغة هجينة، هي مزيج من الأنماط المتشابكة،والتي لا حدود لغوية تحكمها، وكان هدفها الأساسي الوصول إلي أكبرعدد من الجمهور من أجل جذب الإعلانات وجني الأرباح، وقد أدي ذلك إلي بعض الوباء والمسخ اللغوي علي لغة بلادنا العربية، ومس ركنا ركينا في الهوية والمواطنة اللغوية، ولم تقف المسألة عند هذا الحد، بل تعدت إلي التسامح في الخصوصيات، إن لم نقل الذوبان بدعوي سهولة الفهم، والغرض من هذا هوالانجذاب اللغوي لظاهرة العولمة، أواللغات الأجنبية التي تأتي بها الآلة في برمجياتها. لقد طرح المؤتمر العديد من الدراسات التي ترصد وتفسرهذا الخطر علي اللغة العربية، ومن أمثلة ذلك دراسة الدكتور محمود أحمد السيد وعنوانها:” خطر الهجين اللغوي في مواقع التواصل الاجتماعي”، ودراسة الدكتور عبد الله عسيلان، عضوالمجمع المراسل من المملكة العربية السعودية بعنوان:” واقع اللغة العربية في ظل استخدام وسائط الاتصال والإعلام الحديثة”، كما استوقفني البحث المتميز للدكتور صالح بالعيد، عضوالمجمع المراسل من الجزائر وعنوانه:” التهجين اللغوي في وسائل التواصل الاجتماعي لدي فئة الشباب، مخاصمة أم مرافقة”، وهوما دفعني إلي تلخيصه في حدود المساحة المتاحة. ونبدأ بتعريف معني ” التهجين” اصطلاحا، فهويعبر عن استيلاد لغة لا هي بالعربية ولا هي بالأعجمية، بالمزج في الخطاب بين كلمات عديدة من اللغات، ويحصل هذا أحيانا بتعمد، وأحيانا عن غير تعمد، وتتم عملية التهجين بشكل منهجي،لتصبح نمطا مميزا لأسلوب الخطاب والكتابة المعاصرة لدي الشباب. وهي اللغة الهجينة من تلك الألفاظ المستغربة والتي توحي بوضع لغوي لدي جيل بأكمله، وهوأمر مر، يؤسس لدلالات خطيرة علي المجتمع، حيث ينذر بضياع الهوية والتميز، والتنكر للذات الحضارية العربية والإسلامية. ويعبر التهجين اللغوي عن شكل من الازدواجية، بمعني استعمال نظامين لغويين في آن واحد، للتعبير أوللشرح،وهونوع من الانتقال من لغة لأخري، وهذا موجود كظاهرة لغوية اتصالية في الشعوب التي تحررت من الاستعمار، وظلت آثار المستعمر باقية في التواصل اليومي، والذي أصبح بشكل من الأشكال صورة عفوية للممارسات الكلامية العادية. يحدث التهجين اللغوي أيضا عند مزدوجي اللغة، حيث ينتقل المستعمل اللغوي من لغة إلي أخري، ويحدث هذا بسبب الشرح أوالمقام أوالحال، ويكون الانتقال في بعض المقامات محبوبا كونه يعمل علي تأدية المراد والمقصود. ويمكن إجمال كل هذا في أن التهجين اللغوي لغة متعددة في خطاب واحد، تنشأ من اختلاط مفردات لغتين أوأكثر، تستخدم للتفاهم بين مجموعتين لغويتين، أوهوكلام خليط ينتج في العادة في مجتمعات خليط، أوفي التجمعات التي تحصل في البلدان التي تفد إليها العمالة الأجنبية كما هوالحال في دول الخليج، وهي تعرف عند المختصين باللغة الهجين لكونها تمزج بين لغات مختلفة، ولكن ما مصادر هذا التهجين اللغوي؟ .. للحديث بقية..