تعد “قمة أوساكا” الاقتصادية واحدة من أكثر القمم التي شهدت انقسامات منذ سنوات بحسب اتفاق المراقبين. وعلى رغم أنه لم يتم الاتفاق خلالها على حلول جذرية للمشكلات الاقتصادية التي تواجه العالم، إلا أن إنجازها الأهم تمثل في وقف التصعيد في الحرب التجارية بين أميركا والصين موقتاً. وعلى أي حال، كان هناك خمس قضايا هيمنت على مناقشات تلك القمة. أولاً: وقف الحرب التجارية بين واشنطن وبكين والتي تسمى “معركة القرن”، علماً أنها اندلعت قبل نحو سنة. ثانياً: تحديات الاقتصاد العالمي الناجمة مِن انخفاض في النمو العالمي بسبب التوترات التجارية وإضعاف الدولار الأميركي، ما يزيد من الضغط على البنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان، ويدفعهما إلى البحث عن سبل جديدة لمنع انهيار عملتيهما ما يهدد بعواقب كارثية، إذ تعتمد اقتصادات اليابان ودول الاتحاد الأوروبي على الصادرات. ثالثاً: احتل موضوع إيران وتأمين إمدادات النفط من الشرق الأوسط والتصعيد بين واشنطن وطهران في الخليج مكانة خاصة على أجندة القمة، لا سيما على خلفية سلسلة حوادث استهداف الناقلات في خليج عمان. رابعاً: تغيرات المناخ وهي محل خلاف بين أميركا والإتحاد الأوروبي وتعد بين أبرز المسائل المطروحة على أجندة “مجموعة العشرين”. وتدعم المجموعة “اتفاقية باريس” المبرمة في عام 2015، وتعتبرها وثيقة لا غنى عنها وكانت إدارة ترامب انسحبت منها في عام 2017. خامساً: تلوث المحيطات. تسعى اليابان إلى بذل جهود ترمي إلى خفض تلوث المحيطات بنفايات بلاستيكية، وأعلنت بعد لقاء وزراء البيئة في المجموعة قبل أسبوعين أن دول العشرين يجب أن تتبنى إطاراً ينفذ خطة جديدة في هذا الشأن. ويبقى أن القمة تميزت بمشاركة عربية فاعلة، كما تميزت باللقاءات الثنائية بين قادة الدول المشاركة، ومنها لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين. غير أن اللقاء الأهم كان بين ترامب ونظيره الصيني شي جينغ بينغ وجرى خلاله إلى اتفاق يهدئ حدة التوترات التجارية بين الدولتين وينصب على استئناف المفاوضات بينهما، وعدم فرض رسوم جمركية جديدة على صادرات بكين إلى الولايات المتحدة. غير أن مثل هذه الاتفاقات التي يغلب عليها الطابع الديبلوماسي هي اتفاقات موقتة، خاصة إذا وضعنا في الحسبان سياسات الرئيس ترامب المتقلبة، علماً أنه قال عقب اتفاق التهدئة إن بلاده لن تلغي العقوبات المفروضة حالياً على الصين على الأقل في الوقت الراهن. ويعني هذا أنه يمكن في لحظة ومن خلال إحدى “تويتاته” أن يتراجع عن ترامب تعهداته ونعود إلى المربع صفر في إمكانية تجنب المواجهة بين الدولتين.
وكانت الصين حذرت على لسان وزير دفاعها وي فنغ خه من أن المواجهة مع الولايات المتحدة ستكون لها عواقب وخيمة على مستوى العالم بخاصة إذا انتقلت من الحرب التجارية إلى التدخلات ذات الطابع السياسي. ودعا المسؤول الصيني واشنطن إلى عدم التدخل في النزاعات الأمنية بشأن تايوان وبحر الصين الجنوبي. وأغضبت الصين بشدة خطوات اتخذتها إدارة الرئيس ترامب في الآونة الأخيرة، تتعلق بزيادة الدعم لتايوان بما في ذلك إبحار سفن أميركية عبر مضيق تايوان الذي يفصل الجزيرة عن شاطئ الصين. وأكدت بكين أنها لن تهاجم إلا إذا هوجمت وحذرت من نتائج كارثية لأي اشتباك يقع في المستقبل بين الصين والولايات المتحدة التي لا ترتبط، مثل معظم الدول، بعلاقات رسمية مع تايوان إلا أنها تظل أكبر داعم لها ومصدرها الرئيس للأسلحة!
وفي التحليل الأخير، سيظل التفاوض بين الطرفين أنجع وسيلة لرأب الصدع في علاقاتهما، وهو ما أكده ترامب بقوله: “سنواصل التفاوض”. ورحبت الحكومة الصينية من جانبها بهذا التوجه الذي سيعطيها فرصة لمعالجة الخلافات مع واشنطن بآليات لا تؤثر على مصالحها وأمنها القومي بخاصة في بحر الصين الجنوبي. وأتصور أن الجانب الاميركي سيحرص على استخدام التفاوض حتى انتخابات الرئاسة، فمن مصلحة ترامب عدم نشوء مشكلات جديدة مع الصين أو غيرها لأن ذلك سيؤثر على وضعه الانتخابي وهو يسعى إلى الفوز بولاية ثانية.