أحدثت الثورة في علوم الاتصال تغييرا في انماط السلوك البشري، خاصة بعد أن أصبح الهاتف النقال الذكي بأيدي كل افراد الجمهور المتلقي في كل انحاء العالم وليس في منطقتنا العربية فقط وانعكس ذلك على ردود افعاله تجاه الرسائل الاعلامية – تأثيرا وتأثرا – بما يستقبله غير أن الإعلام العربي قد وقع في خطأ انه لم ينتهز فرصة الانفتاح على العالم ليقدم هويته بشكل سوي الى المجتمعات الأخرى، بل تركز النشاط الاعلامي فيما يعرضه كل مجتمع من خلال وسائل إعلامه فقط، فأعطى هذا فرصة غير مسبوقة لانتشار ما يمكن تسميته الأفكار الشعوبية على حساب التجارب التي التزمت بقيم الهوية المشتركة وهي تجارب رغم اهميتها إلا انها لم تحظ باهتمام الكتاب والمفكرين في العصر الحديث باستثناء القلة منهم مثل د. جمال حمدان ود. سليمان حزين.
ومن اكثر الطامات التي اصابت الرسالة الاعلامية في مقتل ما يمكن تسميته الإعلام «المعلب» بضم الميم الذي ساهم في تعميق الهوة بين التيار الملتزم بمكونات الهوية، والتيار الرافض لها وعلى سبيل المثال لا الحصر، لجأ القائمون على صناعة الإعلام الى استيراد نماذج من الأعمال الدرامية التركية والبرازيلية، عوضا عن الدراما العربية التي فقدت بعضا من عناصر هويتها وتقبلنا من فكر الآخر كل ما هو سلبي مثل ما يطرحه من قيم دخيلة وعادات غريبة، على مجتمعاتنا العربية.
كما فقدنا القدرة على استلهام الابتكار عندما استسهلنا استنساخ قوالب برامجية اجنبية، لعرضها في وسائلنا الاعلامية، وكذلك حدثت سطوة الإعلان ذات التوجهات الغربية من حيث اللغة والفكر على الرسالة الإعلامية، وتسللت أفكار تعارض قيم الأسرة العربية الى مخادعنا، ووصلت الى مسامعنا مفردات كانت تدخل في يوم من الايام تحت ما يسمى بقاموس (العيب)، في أدبيات الفكر والعقل العربي، وسميت المشروعات بأسماء أفرنكية، وتباهت المحال بوضع لافتات غير عربية وعُنونت قنوات وإذاعات عربية بأسماء أجنبية!
وهكذا تظل الإشكالية التي يجب حلها برؤية عربية مشتركة في أنه بدلا من أن نعرف العالم بهويتنا العربية استقبلنا هوياته وتفاعلنا معها – لاسيما من هم دون الثلاثين من العمر-، وكان نتاج هذا عدم الاهتمام باللغة العربية وأصبح هناك ما يعرف «بالفرانكو آراب» أو لهجات خليط بين العربية ولغات اجنبية أخرى مثل الفرنسية والإنكليزية لدرجة أنني شاهدت ذات مرة إحدى القنوات الفضائية التي تبث باللغة العربية تستضيف شبابا مسلمين عربا غير قادرين على التحدث بالعربية!
خلاصة القول، لا أحد من المستنيرين في عالمنا العربي، يرفض الاطلاع على ثقافة الآخر أو يتجنب التفاعل مع فكر الغير، على العكس يأخذ منه ما يفيده ويبني على إيجابياته ويتحاشى ما يضره من سلبياته، بل إن التفاعل مع الآخر يعتبر ضرورة من ضرورات التقدم وجزءًا اساسيا من عملية التنوير في عالم اليوم، وفي الوقت نفسه حري بنا التمسك نحن العرب والمسلمين بقيمنا وعاداتنا وموروثنا الثقافي حتى نحمي هويتنا الذاتية وشخصيتنا العربية من محاولات تستهدف طمسها!