ما كان أردوغان يجرؤ على اتخاذ قرار العدوان على سوريا الأسبوع الماضي إلا إذا حصل على «ضوء أخضر» من كل الأطراف الدولية التي انتهكت من قبل حرمة التراب العربي السوري ويمكن القول إن المشكلة الآن ليست في وجود الرئيس بشار الأسد من عدمه- وإن كان له دور كبير فيما حدث لبلاده- إنما المشكلة تتلخص في أن الأزمة السورية قد وصلت إلى حد من التعقيد بعد رفع الغطاء العربي عنها وفي اللحظة التي كان الشعب السوري أحوج ما يكون لمساندة الأشقاء.
طردت الجامعة العربية سوريا من مقعدها فيها وهو الخطأ الأكبر الذي وقعت فيه الجامعة منذ انشائها قبل أكثر من سبعين عامًا وعليه أصبحت سوريا في مهب العاصفة التي استهدفت تقسيمها إلى دويلات تمثل كل الطوائف والأعراق بها ما أدى إلى عسكرة سوريا بميليشيات وجيوش مسلحة كل منها يتحرك على خلفية التبعية لجهة سياسية متصارعة مع غيرها من الجهات الأخرى.
ووجدت التنظيمات الإرهابية في الأرض السورية حاضنة طبيعية لتنامي أنشطتها ومنها «داعش» أو مايعرف بتنظيم الدولة وجيش النصرة الذي تعود أصوله إلى تنظيم القاعدة وخضع الشمال السوري ذو الأغلبية الكردية لجيش سوريا الديمقراطية وما تبقى من المناطق ظل تحت سيطرة الجيش العربي السوري التابع للأسد.
واذا تفحصنا خريطة سوريا نجد أنها محاطة بعيون معظمها طامع في الجنوب تحتل إسرائيل جزءًا من الأراضي السورية منذ عام 1967 وهي مرتفعات الجولان، ومن مصلحة إسرائيل بالطبع استمرار الأزمة السورية على أي نحو، حيث أصبحت إسرائيل الآن الكيان الأكثر أمنًا واستقرارًا في الشرق الأوسط!
وفي الشمال تعتبر تركيا الوجود الكردي هناك الخطر التاريخي على استقرارها وإن أمن تركيا القومي لن يتحقق إلا بسيطرة الدولة التركية على شمال سوريا الذي نراه مطمعًا تركيًا ويتحقق في شكل شريط حدودي آمن بعرض ثلاثين كيلومترًا خاضع للأتراك رغم أنه انتهاك للسيادة السورية ولقواعد القانون الدولي المنظمة للحدود بين الدول.
وعلى الجانب الشرقي عندما تخلى العرب عن سوريا استغلت إيران الفرصة لتعضيد العلاقات مع نظام بشار الأسد ودعمه من خلال وسائل عده من بينها الربط مع حزب الله اللبناني الشيعي والذي يعتبر الخط الأول لإيران بالمنطقة.
وفي الغرب كان العراق يلملم نفسه بحثًا عن الاستقرار من خلال تصفية بؤر الإرهاب ونجح نسبيًا في تحقيق ذلك، إلا أن هذه البؤر عبرت الحدود وانتقلت إلى سوريا إذن لم تكن هناك من سبل سوى تدويل الأزمة السورية وتحمس الكثير من الدول، لاسيما أن مشكلة النازحين السوريين لأوروبا وأمريكا مثلت مشكلة تستوجب التعاون الدولي لحلها، وعندما وجد بشار الأسد أن بلاده أصبحت فريسة لأطماع دولية ولم يعد أشقاؤه إلى جانبه لجأ بشكل غير مباشر لإيران وبشكل مباشر لروسيا، وشهد التراب السوري قدومًا عسكريًا لقوات من دول كبرى مثل روسيا وفرنسا والولايات المتحدة، وأخيرًا تركيا التي قررت تحييد كل الأطراف الدولية وتحركت تحت غطاء منها حتى عبرت قوات اردوغان الحدود إلى شمال سوريا بكل سهولة ليبدأ فصل جديد في المأساة السورية ونحن العرب لا نملك غير الشجب والإدانة ويترك العالم أردوغان يجني ثمار عدوانه الآثم.. فهل آن الأوان لعودة سوريا لعروبتها قولًا وفعلًا!