أثار المقال الماضي حول هيمنة وكالات الإعلان علي المحتوي الإعلامي الكثير من ردود الأفعال، يصب معظمها في جانب الدعم والتأييد، خاصة بعد انحدار الرسالة الإعلامية نتيجة سيطرة الجانب الإعلاني الربحي علي الرسالة الإعلامية، وحيث أن هدفنا المشترك هو استعادة بريق الإعلام المصري محليآ وإقليميآ ودوليآ، وإيمانآ بأن الإصلاح ينطلق من رصد عوامل القوة والضعف والفرص والتحديات، اعتقد أن أحد أهم أسباب تراجع الإعلام المصري في السنوات الأخيرة ينبع من شيوع النظر إلي الإعلام باعتباره سلعة قابلة للبيع والشراء، واعتبار المؤسسات الصحفية والإعلامية مؤسسات اقتصادية وليست مؤسسات خدمية، خاصة تلك المؤسسات المملوكة للدولة ملكية خاصة، والحقيقة التي يجب التأكيد عليها أن تلك المؤسسات هي مؤسسات خدمية في الأساس ولا تستهدف تحقيق الربح شأنها شأن المؤسسات التعليمية والصحية، والهدف الأساسي من وجودها هو تزويد المتلقين بالمعلومات الدقيقة التي تحيطهم علمآ بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتساعدهم علي اتخاذ القرارت الصحيحة في الوقت المناسب، فضلآ عن نشر الثقافة بكل فروعها من فنون وعلوم وآداب لتنمية الحس الوطني والارتقاء بمستوي الذوق العام والتأكيد علي حقوق المواطنة وعدم التمييز، خاصة ونحن نواجه تحديات جمة وسلوكيات عدائية تستهدف النيل من مقومات الدولة المصرية وزعزعة الاستقرار الذي يتحقق بتضحيات هائلة من المواطنين ومؤسسات الدولة والذي أوشكنا علي جني ثماره في كافة المجالات. ولا ننكر أن صناعة الإعلان وسيلة فعالة لمساعدة المتلقي علي تلبية احتياجاته وإشباع رغباته الاستهلاكية من السلع والخدمات، فالإعلانات تمدنا بالمعلومات التجارية والخدمية، وتساهم في الإسراع بعملية التنمية الاقتصادية وتحقيق الرواج التجاري، خاصة إذا كانت الإعلانات تستهدف السلع والمنتجات الوطنية التي من شأنها أن تدعم الاقتصاد الوطني، كما تعد الإعلانات موردآ رئيسيآ للمؤسسات الإعلامية الخاصة، وموردآ فرعيآ للمؤسسات الإعلامية المملوكة للدولة. ويعد كل ذلك مزايا للإعلان،غير أن هذه الصناعة تنطوي علي الكثير من المثالب أيضآ، فالإعلان عبارة عن نشاط اتصالي هدفه الأساسي تحقيق مصلحة المعلن، كما أنه وسيلة تؤدي إلي الاستهلاك غير الضروري بحيث يغري الأفراد أحيانآ لشراء ما ليسوا في حاجة حقيقية إليه، كما أنه يحث الأفراد علي زيادة الاستهلاكمما يجعله أحد معوقات تنمية السلوك الادخاري وترشيد الاستهلاك والإنفاق في مجتمع مثل مجتمعنا يعاني من قلة الإنتاج وزيادة الاستهلاك، خاصة إعلانات السلع المستوردة التي تؤدي إلي زيادة الاستيراد بدلآ من تنمية الصادرات. كذلك تتضمن معظم الرسائل الإعلانية مبالغات وادعاءات ووعود خيالية ومغريات فوق طاقة القطاع الأكبر من المجتمع مما يرفع من مستوي التطلعات الزائفة التي يعقبها إحباطات ونقمة وشعور بالتمييز بين فئات المجتمع، وغالبآ ما تستخدم تلك الإعلانات الاستفزازية عناصر الإبهار والخدع البصرية وتحاطب العاطفة علي حساب المنطق، كما تثير بعض الغرائز مثل الخوف والتهديد والإثارة الجنسية، وكثيرآ ما تبث صورآ مشوهة عن المرأة لا تعبر عن مكانتها وأدوارها الإيجابية في المجتمع. إن صناعة الإعلان تقوي بصناعة الإعلام، فالمتحوي الإعلامي هو المحرك الأول للتأثير في الجماهير، وهو ما يساعد الإعلان علي الظهور والانتشار، أما إذا غابت المهنية والاحترافية عن العمل الإعلامي، سرعان ما تنقلب الأوضاع ويصبح الإعلان هو العنصر الأقوي والمهيمن علي المحتوي الإعلامي، وهو ما ينعكس بالسلب علي صناعة الإعلام وصناعة الإعلان معآ.