منذ زمن بعيد.. سافرت إلى اليونان .. تجولت في مدنها وريفها.. استمتعت بجوها الجميل وشواطئها الرائعة .. أكلت من فاكهتها الطازجة ( رمان وعنب وتين ) التي تملأ الشوارع وحدائق المنازل.. تعاملت مع أناس طيبون بطبعهم.. يشبهوننا إلى حد بعيد في الود ودفئ المشاعر والأحاسيس.. حتى في استقبالهم لك.. تشعر بالألفة وعدم الغربة.
بعد فترة من إقامتي بالعاصمة أثينا.. وتحديدا في منطقة “كلاسيا” بشارع “سنجرو”.. إستقليت الباص المتجه إلي مدينة خلكيذا.. والتي تبعد عن العاصمة حوالي 3 ساعات تقريبا لزيارة صديق مصري لي.. وصلت إلى المكان الذي أريد.. نظرت حولي.. أمعنت النظر وأطلته.. فذكرت الله وسبحته على ما رأته عيني.. واستمتعت به حواسي.. مشهد أكثر من رائع.. بيوت ريفية بسيطة في طرازها المعمارى.. لكنها تشبه إلى حد بعيد تلك الفلل الأثرية العتيقة.. أمام كل بيت جنية مليئة بالزهور والفواكه.. وسط كل هذا توجد مساحات زراعية شاسعة بها أعداد كثيرة من الأبقار “الفريزيان الهولندية الحلوب”.
نصف ساعة تقريبا وأنا مستمتع بالتواجد في هذا المكان.. تمنيت من الله حينها أن أستقر في خلكيذا للأبد ولكن….. وما هي إلا لحظات حتى سألت أحد المارة عن عنوان صديقي.. وإذ به على بعد دقائق.. أخيرا وجدته أمامي هو وزوجته اليونانية.. استقبلاني أفضل استقبال.. جلست معهما يومان من أجمل وأروع أيام عمري.. ولأنهما مثقفان ويعرفان جيدا قيمة حضارتنا.. فقد أتحفاني بمعلومات موثقة غاية في الأهمية عن فضل قدماء المصريين على الحضارة اليونانية.. بصراحة لم أكن أعرفها من قبل.
من ضمن هذه المعلومات – وهذا ما تأكدت منه فيما بعد – أن هيرودوت.. المؤرخ اليوناني والملقب بـ “أبو التاريخ”.. عندما زار مصر فى القرن الخامس ق.م.
أكد تأثر حضارة بلاده بحضارتنا في أكثر من مجال.. ويتضح ذلك في قوله: “لقد جاءتْ أسماء الآلهة كلها تقريبًا من مصر إلى بلادنا.. فـ ” أبو للو اليوناني ” هو نفسه ” حورس المصري ” و” ديمتر اليونانية ” هى نفسها ” إيزيس المصرية “.. كما أشاد بدور مصر فى الملاحة البحرية.. وشق قناة تربط البحر الأبيض بالبحر الأحمر.. مستندا في ذلك إلى الرسم الذى شاهده على الجداريات لمنظر الأسطول المصري فى رحلته إلى بلاد (بنط).. الصومال حاليا.
وذكر “هيروديت” أنّ “الملك احمس الثاني – آخر الفراعنة العظام في تاريخنا قبل الغزو الفارسي اللعين للمحروسة – أول من سن قانونا سنويا للكشف عن مصدر دخل المواطن العادي وحكام الأقاليم والوزراء على السواء ( من أين لك هذا فى العصر الحديث ).. مؤكدا أنّ هذا القانون بالإضافة إلى قانون الضرائب.. نقله المشرع ورجل القانون اليوناني “سولون أو صولون” عام 560 ق.م.. إلى أثينا.. وأضاف “أبو التاريخ ” ان بلاده نقلت عن مصر عادة “احترام وإجلال صغار السن لكبارهم”.. كما نقلت عنها أيضا علوم الطب المصرى وتخصصاته المختلفة.
إعتراف “هيروديت” يتفق تماما مع ما كتبه مواطنه استرابون ( مؤرخ وجغرافي وفيلسوف يوناني ).. عندما قال ان “علوم الطب كانت سرًا من أسرار الكهنة المصريين”.. مدللا على ذلك بأنّ “اليونانيين عندما طلبوا شيئــًـا من أسرار المصريين فى معارف الطب ظلوا يلزمون أبواب الكهان المصريين ثلاثة عشر عامًـا حتى نالوا مطلبهم”.
الصديق المحترم د.كمال رباح – أستاذ الفلسفة – سبق وأكد لي أن “فلاسفة وعلماء الإغريق أمثال: ارسطو وسقراط وافلاطون وفيثاغورث و… تعلموا أبجديات العلوم في “جامعة أون”.. عين شمس حاليا.. ومن مفارقات القدر.. أن كهنة ” أون ” رفضوا قبول أحد هؤلاء الفلاسفة في بادئ الأمر استنادا إلى أنه ” جاء من حضارة منحطة “.. لكن وساطة الفرعون آنذاك شفعت له بالبقاء في مصر وتلقى العلم على يد كهنتها ومنهم العالم الفذ “أمحوتب ” الذي أنشأ هرم زوسر المدرج.وهو أشهر مهندس معماري وطبيب في مصر القديمة والعالم.. وكرم بعد وفاته.. وأصبح إلها للطب.
في كتابه “التراث المسروق.. الفلسفة اليونانية فلسفة مصرية مسروقة” أبدى أيضا الكاتب الأمريكي جورج جي ام. جيمس اعتراضه على مصطلح الفلسفة اليونانية أو الإغريقية.. مؤكدا أنها تسمية خاطئة.. وأن من يُعرفون بأنهم فلاسفة اليونان لم يكونوا أصحاب هذه الفلسفة.. وإنما أصحابها هم الكهنة المصريون وشُراح النصوص المقدسة والرموز السرية للكتابة والتعليم”.
ويوضح ان المصريين القدماء استحدثوا مذهبا دينيا شديد التعقيد سُمِي نظام الأسرار.. أول مذهب عن الخلاص بهدف السمو على سجن الجسد وان هذا النظام ظل سريا وشفاهيا يحظر تدوينه لنحو خمسة آلاف عام حتى سُمح للإغريق بالتعلم مباشرة من الكهنة المصريين.
ويضيف ” جيمس ” أن الفلسفة المصرية غير المكتوبة التي تُرجمت الى اليونانية القديمة.. هي وحدها فقط التي وجدت المصير البائس لتراث سرقه الإغريق.. كما أوضح أن ”التضليل في حركة الترويج للفلسفة اليونانية يبدو سافرا وفاضحا الى أقصى مدى.. وذلك عند الإشارة عمدا الى أن نظرية المربع القائم على وتر المثلث قائم الزاوية هي نظرية فيثاغورث.. وهو زعم أخفى الحقيقة قرونا عن أعين العالم…ان المصريين هم الذين علموا فيثاغورث واليونانيين الرياضيات التي عرفوها“ بعد أن أُتيحت لهم فرصة التعلم من الثقافة المصرية.
ما كتبه “جيمس” يكشف ويفضح ”أسطورة كبرى ومؤامرة حكمت التاريخ واستبدت بفكر الانسانية حتى أصبحت جزءا من سياسة عالمية امتدت قرونا“.. لأن مثل هذه الأساطير لبست ثوب الحقائق.. وأصبحت مرجعا يُستشهد به ويكتسب قدسية أكاديمية.. وخاصة أن “جميع الغزاة” ناصبوا الثقافة المصرية “العداء القاتل”.. ولم ينتموا الى مصر تاريخا أو مجتمعا.
ولهذا تعمدوا تجفيف منابع الثقافة المصرية المادية والروحية بتدميرها أو نهبها حتى لو تخفوا وراء أقنعة أيديولوجية باسم الحضارة أو ” إبلاغ رسالة“.. ويعرب جيمس عن سعادته لانه استطاع أن يلفت ”أنظار العالم“ الى هذه القضية التي يأمل أن تساعد ”كل“ من لهم أصول افريقية الى التحرر من ”عبودية عقدة النقص“ وان يشعروا بالحرية ويتمتعوا بكل الحقوق والامتيازات الانسانية.
ولأن الشئ بالشئ يذكر.. فقد حضرت “ندوة” مهمة جدا في نقابة الصحفيين منذ عام تقريبا.. لعدد من أساتذة التاريخ للرد على مزاعم وادعاءات وأكاذيب د.يوسف زيدان.. وفوجئت بكلام خطير جدا على لسان أحد هؤلاء الأساتذة.. وهو د.خالد حربي – أستاذ المخطوطات بجامعة الإسكندرية – عندما كشف عن سطو فطاحل علماء الغرب على الميراث العلمي للعلماء المصرين والعرب بالحجة والبرهان ومنهم: نيوتن وهارفى وأشتال وقسطنطين الأفريقي “اللص الوقح” – هكذا يسميه علماء الغرب أنفسهم – واللصين: توماس الأكويني ودانتيي.
ويوضح “حربي” أن المخطوطات هى الوحيدة التى تكشف مثل هذه السرقات.. وأن ذلك يفسر لنا سر نهب الغرب مخطوطات الشرق أو حرقها فى كل الحملات العسكرية الغربية على المنطقة.. بداية من حملات الاسكندر الأكبر.. مرورا بحملات هولاكو على بغداد عام 656 هجرية.. والذي استخدم هو الآخر تلك المخطوطات والكتب كجسور لعبور جنوده نهر دجلة بالعراق.. وانتهاء بنهب الأمريكان للكنوز العراقية عام 1991.. مؤكدا أن المدعو شامبليون – الفرنسي الملقب بعالم الاثار – ليس هو أول من فك رموز اللغة الهيروغليفية.. وإنما صاحب هذا الاكتشاف هو العالم العربى “ابن وحشية النبطى”..والذى عاش فى القرن الرابع الهجرى / القرن العاشر الميلادى.. والذى توصل إلى هذا الاكتشاف قبل شامبليون بـ 1000 سنة تقريباً.
ختاما عزيزي القارئ.. هذه هي مصر.. مصر التي سقت أشهر علماء العالم وفلاسفته العلم في ماعون المحبة والتعاون.. لا بملعقة الابتزاز والازلال والهيمنة.. فقديما قالوا: إن الفضل ما شهد به الآخرون.. وقد شهد علماء العالم المنصفين للتاريخ بفضل الحضارة المصرية على حضارات العالم أجمع.. ومن هؤلاء: عالم المصريات الأمريكي جيمس هنرى بريستد في كتاب له بعنوان “فجر الضمير”.. وكتاب ثاني بعنوان “الفن والحياة فى مصر الفرعونية” تأليف العالمة الفرنسية كلير لالويت.
وثالث بعنوان “المرأة فى زمن الفراعنة” أيضا لعالمة فرنسية كبيرة وهي كريستيان ديروش نوبلكور.. ورابع بعنون “مصر والمصريون” تأليف ديجولاس جى بروير وايميلى تويتر .. وخامس بعنوان ” السحر والسحرة عند الفراعنة” تأليف إيفان كونج.. وسادس بعنوان”حكايات حب وبطولات فرعونية” تأليف فيولين فانويك.. وسابع بعنون ” الأساطير المصرية” تأليف دون ناردو.. وثامن بعنوان “أخناتون وديانة النور” تأليف إريك هورنونج.. وتاسع بعنوان ” مصر القديمة” لعالم المصريات الفرنسى “جان فيركوتير” .