(نظام عُمر البشير)، (موزة و”الحمدين” وتميم)، (أردوغان)، (هيله سيلاسي وديسالين وزيناوي وآبي أحمد)، (نتانياهو وهيرتزل وحكومة العالم الخفية)، ( حسن البنا وعبيده وأسياده)، وأخيراً (ترامب ومن سبقوه ومن سيلحقوه)؛ لوحة بشرية مدادها الحقد، والغل، والشيطنة؛ ضد بلد (تليد ومسالم)؛ صاحب حضارة عريقة، نهل منها العالم أجمع، كل ألوان وأصناف العلم والمعرفة!!
(مصر هبة النيل)؛ المقولة الأشهر للمؤرخ الإغريقي (هيرودويت) والملقب بـ (أبو التاريخ)؛ كانت ومازالت، وستستمر بإذن الله تعالي، (الشوكة) العالقة في حلق يهود الأمس، وصهيونية وماسونية ( حكومة العالم الخفية ) اليوم، ففي توراتهم المُحرفة، نجدهم لا (يكفُون)، ولا (يملُون)، ولا (يكلُون) عن (تأليب) العالم ضدنا، وترويج وإشاعة نصوص أسفارها المحرفة عن خراب مصر، وجفاف نيلها العظيم عقب عودتهم لأرض فلسطين، وإقامة دولتهم المزعومة (من النيل إلى الفرات)، حيث يدعون في توراتهم: “يا ابن آدم ارفع مرثاة على فرعون ملك مصر، وأسقى أرض فيضانك من دمك إلى الجبال، وعند إطفائى إياك احجب السماوات وأظلم نجومها، وأغشى الشمس بسحاب، والقمر لا يضىء ضوءه، وأظلم فوقك كل أنوار السماء المنيرة، وأجعل الظلمة على أرضك يقول السيد الرب”.. ( حزقيال 32: 6 _ 8).. كلام في منتهى (الظلم والجور على مصر وفلسطين وشعبيهما)، وهذا ما سأوضحه لاحقا.
وحتى لا يكون ما نكتبه مجرد كلام مُرسل؛ فسألقى الضوء على عدد لا بأس به من أطراف المؤامرة على (نيل مصر العظيم) مؤخرا، وسأبدأ بالخطاب التحريضي المسموم لـ (نتانياهو) – رئيس وزراء إسرائيل – أمام البرلمان الإثيوبي منذ 4 سنوات بمناسبة الذكرى الـ 68 للنكبة، ولمدة 13 دقيقة تقريباً، تزامناً مع افتتاح المرحلة الأولى من بناء السد (الشؤم) النهضة!!
(نتانياهو) استهل حديثه بتميز العلاقة التاريخية بين أسلافه وقت اغتصابهم أرض فلسطين وبين (هايله سيلاسي) – الإمبراطور الإثيو – صهيوني الذي يمتد نسبه – كما ذكرنا في مقال سابق – إلى سلالة ملكة سبأ؛ زوجة الملك (سليمان بن داود)، ثالث ملوك مملكة يهودا الموحدة، وهو المدخل المُحبب – على ما يبدو – عند الإثيوبيين، فادعي (نتيانياهو) أن (ثمة رابطة دم تربطه بإلإثيوبيين)، مُستحضرا في ذلك قصة زواج سيدة سبأ – ملكة بلادهم قبل 3000 عامًا – بالملك سليمان، في القدس!!
وبدا واضحا هنا من تحريض (نتانياهو) للشعب الإثيوبي الشقيق قدرته على اختيار مصطلحاته، وترتيب أفكاره بشكل يناسب أيدولوجيتهم وثقافتهم، إضافة إلى طرحه لقضية المياه بشكل واضح وصريح، معلنا بـ (بجاحه منقطعة النظير) تعاونه التام معهم كي تصب مياه النيل في أي اتجاه يريدون، طبعا في رسالة عدائية موجهة لمصر مباشرة، واستطرد حديثه للبرلمان الإثيوبي قائلاً: “أنتم في إثيوبيا حاربتم من أجل الحرية، أنتم تحافظون على الحرية على مدار أجيال، وعلى مدار آلاف السنين، حارب شعبكم من أجل الاستقلال وحافظ عليه، وأنا أحترمكم على ذلك، ونقدركم على ذلك، قاومتم الحكم الأجنبي وعشتم شعبًا حرًا في موطنكم”، كما تطرق في تحريضه لذكر مصر مرتين قائلاً:
” ميلاد الشعب اليهودي بدأ بالحصول على حريته، وقصة الخروج من مصر، خرجنا من العبودية للحرية، إلى أرضنا، أرض إسرائيل “، زاعما أن “حرية الشعب اليهودي، والشعوب الأفريقية، كانت حُلمًا لـمواطنه الصهيوني (هيرتزل) – أحد الرموز الصهيونية العالمية العنصرية – والذي كان يأمل في مساعدة الأشخاص السود بإفريقيا للحصول على حريتهم، لذا فإن فكرة الخروج من مصر، مرتبطة بإقامة الدولة اليهودية، وهذا ما قاله بالضبط (هيرتزل): “إذا رغبتم فلن يكون هذا حلمًا “!!
وبهذا الخلط الكاذب ربط (نتنياهو) بين مصر وبين العبودية من ناحية، وبين إسرائيل وبين من يُريد الحرية وبناء الدولة القوية من الناحية الأخرى، وهكذا استمر في حديثه لأعضاء البرلمان الإثيوبي قائلا بن “من يريد استكمال حريته، وبناء دولته، فلينعتق عن مصر، وإذا رغبتم فلن يكون هذا حلمًا” !!
كما ادعى (نتنياهو) أمام البرلمان الإثيوبي ان “إسرائيل دولة ديمقراطية يعيش فيها العرب والمسيحيين واليهود والمسلمين، دون أي تفرقة دينية أو عرقية أو جنسية”، ونسى (نتانياهو) أو تناسى ربما؛ المظاهرات اليومية ليهود الفلاشا ضد عنصريته هو وعصابته ضدهم !!.. كما ادعى أيضا أن (إسرائيل وإثيوبيا) هما الدولتين الوحيدتين اللتين يعيش فيهما المسيحيون حياة مزدهرة ، فيما يذبحون في بقية دول المنطقة على أيدي تنظيم (داعش)، ولم يذكر هذا (نتانياهو) من الذي صنع ومول ودرب (داعش)!!
(نتنياهو) كان ماهرا في حديثه هذا إلى حد إثبات قدرته على (دغدغة) مشاعر – حتى – الفلاح الإثيوبي قبل المثقف، وذلك عندما استمر في (بخ) سمومه الممزوجة بالترياق عن: الزراعة، والطاقة، والصحة، والتعليم، والفضاء، والفضاء الإلكتروني، وعن إدارة المياه فيقول:”نعمل معًا من أجل أن تصب المياه في أي اتجاه تريدون، ولتقليل المياه المُهدرة، وستكون هناك مياه أكثر للاستخدام الشخصي وللحقول، التي ستنتج محصولًا أكبر، ستزداد الحيوانات “؛ ثم يخاطب الفلاح الإثيوبي بزيادة كمية الألبان التي تنتجها بقرته، قائلًا: ” والسؤال الذي أسأله في كل مكان أذهب إليه: أي بقرة تُعطي أكبر كمية حليب في العالم؟.. هل تعتقدون أنها البقرة الهولندية، أم البقرة الفرنسية ؟ لا، إنها البقرة الإسرائيلية، وفي المستقبل القريب ستكون أيضاً البقرة الإثيوبية “!!
مغالطات (نتانياهو) هذه، لاقت قبولا لدى تاي أتاسكي – وزير الخارجية الإثيوبي آنذاك – فقال إن أديس أبابا ستناقش مزيدا من الاستثمارات الإسرائيلية في بلاده، اتساقا مع اتفاقيات وقعها البلدان في وقت سابق، فيما كشف هيلاوي يوسف – سفير إثيوبي أسبق في إسرائيل – اختيارهم لشركة كهرباء إسرائيلية تتولي إدارة قطاع الكهرباء الإثيوبية، بما في ذلك تقديم الاستشارات والإدارة لمشروعات إنشاء محطات طاقة جديدة، مؤكدا في تحد صارخ لدول المصب (مصر والسودان) أن كل هذه المحطات ستقام على نهر النيل الأزرق!!.. وليس هذا فحسب، بل كشف السفير الإثيوبي أيضا ان “إسرائيل دشنت بالفعل مشروعات زراعية مشتركة بجانب وجود 240 مستثمرا إسرائيليًا، فيما يبدأ توليد الكهرباء من (السد) بعد افتتاح المرحلة الأولى مباشرة؛ فضلا عن تنفيذ مشروعات ري ضخمة من خلال المياه الإثيوبية بعد إتمام بناء السد، وتمويل 200 مليون دولار لتطوير أنظمة الري”!!
وردا على هذه الافتراءات، يجب الإشارة إلى أن (خروج اليهود) من مصر؛ كان على يد (أحد فراعنة الهكسوس)، وليس على يد ملوك مصر، ومن باب العلم بالشئ، فـ (الهكسوس)، مجموعة رعاع من شرق آسيا، استوطنوا، أو احتلوا جزء من محافظة الشرقية لأكثر من 150 عاما زمن (الأسرة الفرعونية الخامسة عشر والأسرة السادسة عشر)، ولم ينسجم معهم الشعب المصري إطلاقا بسبب ظلمهم وفحشهم، ثم قضي عليهم البطل أحمس الأول عن بكرة أبيهم، ومع ذلك، كان (خروج اليهود) من ظلم (الفرعون الهكسوسي) إنصافا لهم من الله عز وجل وتوفيقه ورأفته بهم، لكنهم لم ينظروا إلى ذلك الكرم الرباني على أنه نعمة تستوجب الشكر، ومِنَّة تستوجب الحمد، بل نظروا إلى تلك النعم على أنها حق لهم، وأن على الخالق – حاشا لله – أن يبذل المزيد في سبيل راحتهم، هذه كانت نظرة بني إسرائيل للأمر، ويتضح ذلك جليا عندما أمرهم سيدنا موسى – على نبينا وعليه وعلى أنبياء الله أفضل الصلاة والسلام – بدخول الأرض المقدسة (القدس) فأجابوه بجواب خارج عن حدود اللياقة، جواب من استمرأ حياة الذل ، وعاف حياة العز والجهاد، { قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } (المائدة:24)، فالننظر إلى هؤلاء كيف ردوا أمر الله سبحانه بهذه الـ ( …… . ).
ولما عصوا أمر الله عز وجل بدخول الأرض المقدسة في عهد موسى عليه السلام، قضى الله عليهم بالتيه أربعين سنة في صحراء سيناء، وكان (موسى وهارون) عليهما السلام، قد انتقلا إلى رحمة ربهما في تلك الفترة، فبعث الله عز وجل لهم (يوشع بن نون) نبياً ليدخل بهم بعد انتهاء فترة التيه إلى الأرض المقدسة (القدس)، وكان أمر الله لهم أن يدخلوها خاضعين له، سائلين أن يحطَّ عنهم خطاياهم، إلا أنهم عصوا أمره ، وبدَّلوا ما قيل لهم، فَبَدَلَ أن يدخلوا سجداً، ودخلوا على أستاههم (أدبارهم) وبدل أن يقولوا حطة، أي حطَّ عنا خطايانا ، قالوا على سبيل الاستهزاء – ما حطة ؟ حبة في شعيرة.
ويقول تعالى فيهم:{ وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِين َ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ }( البقرة:58- 59) ، وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “قال الله لبني إسرائيل :ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم ، فبدلوا ودخلوا الباب يزحفون على أستاههم ، وقالوا : حبة في شعرة”.. وقال تعالى: { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } (المائدة:78-79).. هذه هي أخلاق بني إسرائيل وتلك هي جرأتهم على ربهم ، واحتيالهم على أمره .
هذا هو كلام الله عز وجل ورسوله الحبيب (صلي الله عليه وسلم) بحق بني إسرائيل، أما عن كلام علماء الآثار المحايدين؛ فمن المعروف أن نبى الله يوسف، منح أبيه وأخوته (بنى اسرائيل) أرضا فى منطقة (جازان) الموجودة بمحافظة الشرقية، حدث ذلك قبل مجئ (الهكسوس) إلى شمال مصر كما أشرنا بعاليه، وكانت عاصمتهم هي مدينة (أواريس).. الزقازيق حاليا، وهذا يعنى أن نبى الله موسى، وُلد فى (أواريس)، أي أن (الهكسوس) سبقوا (بني إسرائيل) للتواجد في مصر، و خرجوا أيضا بعد طرد (الهكسوس) مصداقا لقول الله تعالي: }وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ { سورة يوسف.. الآية (54).
وهنا نلاحظ لفظ (الملك) فى قصة سيدنا يوسف، ولفظ (فرعون) فى قصة سيدنا موسى، وبالتالى فإن حاكم المصريين كان يلقب بـ (الملك) و حاكم (الهكسوس) كان يُلقب بـ (الفرعون)، وهذا الدليل يميل إليه علماء: الدين والآثار والتاريخ لبراءة (رمسيس الثانى) من سهام اليهود المسمومة، و بالتالى، فإن (فرعون الخروج) لم يكن مصريا، و إنما كان هكسوسيا، و تم إلصاق التهمة لتشويه تاريخ واحد من أعظم ملوك العالم قاطبة، وليس مصر وحدها.. كما أن الآية الكريمة تقول: } وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ{..سورة يوسف الآية(51).
ومن المعروف أن النيل؛ كان له عدد كبير من الأفرع فى الدلتا، و لو كان (رمسيس الثاني)هو (فرعون الخروج)، كنا سنقرأ (و هذا النهر) و ليس (وهذه الأنهار)، لأن عاصمة مصر كانت فى الجنوب، وهذا دليل ثاني لكذب اليهود وفتنتهم بحق (رمسيس الثاني)، أما الدليل الأخير لهذا الكدذ، فهو أن (بنى إسرائيل) عندما عبروا البحر بعد أن شق (موسى) – عليه السلام – البحر بعصاه، وصلوا للجهة الأخرى فى سيناء، و هذا يعنى انهم عبروا خليج السويس، أما لو كانوا فى (طيبة عاصمة مصر) كانوا سيعبرون البحر الأحمر، و يصلوا إلى أرض الحجاز!!
وحتى يطلع القارئ أكثر على خيوط المؤامرة الصهيونية ضد مصر، فلابد من ذكر واقعة طلب الرئيس الفرنسي (ديستان) من الرئيس السادات السماح لبعض العلماء بمصاحبة مومياء (رمسيس الثاني) لإقامة عرض مسرحى والعلاج فى باريس، وكانت تلك (الحجة أو الحيلة) المزعومة للتأكد من أنّ (رمسيس الثانى) هو نفسه (فرعون الخروج)، وذلك من خلال الفحص المعملى، لمعرفة ما إذا كان قد مات غريقــًا أم لا، وكانت النتيجة (بعد رحلة السفر المشئومة هذه) هى تشويه المومياء .
سفر مومياء (رمسيس الثاني) لفرنسا بإلحاح وقف خلفها طبيب مغربى يهودى، كان يُعالج محمود أبو وافيه – عديل الرئيس السادات – وللأمانة فإنّ د. جمال مختار – رئيس هيئة الآثار فى ذاك الوقت (ديسمبر1975) – رفض عرض الرئيس الفرنسى وقال له: “هذا شىء صعب، فهذا الملك هو من ملوك مصر العظام، ومن غير المقبول أنْ تـُسافر الجثة لتـُعرض فى فرنسا، وهل تـُوافقون سيادتكم على أنْ نأخذ منكم تابوت أو حتى غطاء تابوت (نابليون) لنعرضه هنا فى مصر”؟!.. وذكر (د.مختار) أنه اتصل بيوسف السباعى – وزير الثقافة وقتها – ونقل له مخاوفه عن ردود الفعل التى يمكن أنْ يُحدثها سفر (رمسيس الثاني) إلى باريس، ولكن (السباعى) لم يفعل شيئــًا، وحتى ممدوح سالم – رئيس الوزراء – لم يهتم بعدما شرح (د.مختار) القصة كاملة.
بينما إهتمتْ بالأمر أستاذة فرنسية بكلية العلوم وعارضتْ الرئيس ديستان، قائلة إنّ “هذا عبث، وأنّ هذه المومياء التى يُريدون إخراجها من مصر لعرضها فى فرنسا، هى لواحد من أعظم ملوك مصر، وأنها سوف تقود مظاهرة تـُندّد بهذا العبث إذا لم يتراجع الرئيس ديستان”، وكان لإثارة القضية على هذا النحو أثره الكبير، فتراجع (ديستان)، وبعث برسالة إلى الرئيس السادات أعلن فيها أنه تراجع عن فكرة عرض المومياء فى باريس، ونشرتْ الصحف الفرنسية رسالة (ديستان) إلى (السادات).
ولكن بعد تدخل (أبو وافيه) تغير الموقف، ووافق (السادات) على سفر المومياء، وكان أكثر المُتحمسين على خروج المومياء من مصر هو الطبيب الفرنسى (بوكاى) الذى كانت تربطه علاقات واسعة بشخصيات عربية وإسلامية شهيرة، مما ساعد على إصدار توصيات من بعض معارفه بالاحتفاء به ومساعدته وتلبية طلباته وتسهيل مهمته العلمية!!، بينما لم تهتم الثقافة السائدة فى مصر بخروج المومياء ، فإنّ صحيفة الهيرالد تريبيون كتبتْ أنّ “الضجة التى أثيرت فى الإعلام الفرنسى حول مرض (رمسيس الثاني) وضرورة علاج المومياء…. إلخ، لم تكن سوى حيلة لإخراج المومياء من مصر، لوضعها تحت الفحص والبحث والدراسة لمعرفة أسرارها، وقد تعمّد الصهيوني موشيه ديان – وزير الدفاع الإسرائيلي – أنْ يزور (رمسيس الثاني) فى مستشفى باريس، وأخذ ينقر على أصابع قدميه بعصا المارشاليه، وقال له بكل حقد اليهود:”أخرجتنا من مصر أحياءً، وأخرجناك منها ميتـًا”، ووصلتْ ذروة المأساة فى التقرير المصوّر بالتليفزيون الفرنسى ومدته 20دقيقة أن ظهرتْ المومياء عارية تمامًا بعد أنْ نزعوا اللفائف الكتانية التى كانت تحميها، وكان المذيع الفرنسى شديد التعصب لمزاعم (بنى إسرائيل) فقال للمشاهدين:” إليكم فرعون مصر الشهير، إليكم ملك ملوك الفراعنة، إليكم (رمسيس الثانى)، إليكم الفرعون الذى طارد اليهود قبل ثلاثة آلاف عام” إلخ التقرير الذي هزّ ضمير الفرنسىين عامة، والمثقفين الذين توجهوا بأعداد كبيرة منهم إلى السفارة المصرية فى باريس خاصة ليسجـّلوا رفضهم واستنكارهم لهذا العمل المُشين الذى أساء إلى شخصية تاريخية عظيمة مثل (رمسيس الثاني).
من جانبها كتبتْ عالمة المصريات كريستين نوبلكو فى كتابها عن (رمسيس الثانى)، والذى طـُبع منه مليون نسخة بعد صدوره بأسابيع أنّ “التوراة ظلمتْ (رمسيس الثاني)، وكل ما قالته عنه غير صحيح، كما ظلمت هذه التوراة مصر والمصريين، وأنّ التوراة كتاب مليىء بالقصص والحكايات التى جـُمعتْ من هنا وهناك، وأنها لا يمكن أنْ تـُعد وثيقة تاريخية، وبصفة خاصة بالنسبة لمصر”، وأضافتْ:” إننى أرفض الافتراء على التاريخ، وعلى الملك (رمسيس الثاني)، وأنّ الادعاء اليهودى على الملك (رمسيس الثاني) محض افتراء، وليس له أى أساس من الصحة، لإنّ سِفر الخروج يُشير إلى وقائع لا يوجد لها أى أثر فى كل ما وجدناه من كتابات ونقوش مصرية، على الرغم من أنّ هذه الكتابات والنقوش كانت ترصد تفصيلات صغيرة جدًا لا تـُقارن بخروج مئات الآلاف من البلاد ، فهناك فى سجلات الحدود تسجيل لكل حركات المرور عبْر الحدود ، حتى إنّ راعيًا ومعه 40 رأس غنم يعبر الحدود كان عبوره يُرصد ويُسجّل.
وتسترسل العالمة الفرنسية قولها: وإذا كنتُ فى كتابى عن (رمسيس الثانى) قد تحدّثتُ عن (خروج اليهود) من مصر، فقد فعلتُ ذلك للأمانة العلمية، إنّ واجب عالِم المصريات أنْ يقول رأيه بأمانة، كما إنّ ما تقوله (التوراة) من أنّ المصريين كانوا يُسخـّرون اليهود لضرب الطوب، يجعل أى دارس لتاريخ مصر القديمة يبتسم، وأنا أرفض تمامًا الافتراء على التاريخ لإدانة فترة أو زمن بعينه، ولم يكن ملوك مصر قُساة، لأنّ الساميين الذين كانوا يفدون إلى مصر للعمل بها، كانوا يعيشون حياة هانئة، وهذه هى حقائق التاريخ الثابتة، إنّ الشعب المصرى يتمتـّع بحكمة هائلة لا أجدها فى الشعوب الأخرى، كما يتمتـّع بنظرة فلسفية للأمور، وعندما أرى أفلامًا مثل فيلم (الوصايا العشر) إخراج الأمريكى سيسل دى ميل، تـُصوّر المصريين وهم يدوسون فوق رقاب العبيد الساميين، أشعر بالغضب، فهذا كذب وافتراء، وهذا هو رأى عالمة مصريات فرنسية عن جدودنا، وذكرتْ أيضا أنه عند نقل تابوت الملك (رمسيس الثاني) إلى مركب بالنيل تتـّجه به إلى القاهرة “وقف المصريون على الشاطىء عند الأقصر، وكأنهم يُشاركون فى جنازة عصرية، فالنساء يولولنَ من الحزن وينثرنَ الغبار على شعورهنَ، والرجال يُطلقون النار من البنادق”.
وبعد أنْ أثبتتْ الفحوص الطبية والمعملية أنّ مومياء (رمسيس الثانى) ليس بها أى آثار تدل على الغرق، وبالتالى ليس هو (فرعون الخروج)، فإذا بالطبيب الفرنسى (بوكاى) يركب رأسه العبرى فى إتجاه بني قومه ليدعي ويروج بأن المومياء لـ (فرعون الخروج)، وقد مات غيق!!.. وهذا الكذب والافتراء، رفضه رفضا تاما (د.مختار)، وقال إنّ (بوكاى) ليس موضع ثقة، وليس مؤهلا علميًا للقيام بعمل تايخي مهم من هذا النوع.
تأكيدا لكلام الله عز وجل ونبية الكريم، ثم بشهادة علماء الآثار المحايدين، ان (فرعون الخروج) – بطل أكذوبة طرد اليهود من مصر – ليس مصرياً، وهذا ما أوضحته في مؤلف لي حمل عنوان (الحقيقة الغائبة.. فرعون الخروج هكسوسياً وليس مصرياً). وبخصوص تكرار ادعاءات (نتانياهو) عن أحقية اليهود في أرض فلسطين، يحضرني حوار رائع للملك فيصل – رحمه الله – مع الزعيم الفرنسي شارل ديجول، وقد سبق واستشهدت به في مقال سابق عن (الوحدة العربية). وجه (ديجول) سؤلا للملك بلهجة متعالية في لقاء جمعهما: يا جلالة الملك؛ يقول اليهود إن فلسطين وطنهم الأصلي، وجدهم الأعلى (إسرائيل) ولًدِ هناك!!.. فأجابه الملك: يا فخامة الرئيس؛ أنا معجب بك جداً؛ لأنك متدين ومؤمن بدينك، وأنت بلا شك تقرأ الكتاب المقدس، أما قرأت فيه أن اليهود تواجدوا بأرض فلسطين كغزاة فاتحين؛ فحرقوا المدن، وقتلوا الرجال والنساء والأطفال!! فكيف تقول أن بعد ذلك أن فلسطين بلدهم، وهي للكنعانيين العرب، أما اليهود فهم مجموعة من المستعمرين، وأنت تريد أن تُعيد الاستعمار الذي حققته إسرائيل منذ أربعة آلاف سنة ؟!
وعاجل الملك (ديجول) بسؤال آخر: فلماذا لا تعيد روما – مثلا – استعمار فرنسا الذي كان قبل ثلاثة آلاف سنة فقط ؟!.. أتُصلح خريطة العالم يا جنرال من أجل اليهود، ولا تصلحها من أجل روما؟!.. فنحن العرب أمضينا مائتي سنة أيضا في جنوب فرنسا، في حين لم يمكث اليهود في فلسطين سوى سبعين سنة فقط ثم نُفوا بعدها!!.. وهنا قال (ديجول) للملك: لكنهم يقولون أن أباهم ولد فيها !!.. فأجاب الملك فيصل: غريب !!.. عندك الآن مئة وخمسون سفارة في باريس، وأكثر السفراء يلد لهم أطفال في باريس؛ فلو صار هؤلاء الأطفال رؤساء دول وجاءوا يطالبونك بحق الولادة في باريس!!.. فمسكينة باريس !!.. لا أدري لمن ستكون !؟.. اضطر هنا (ديجول) أن يلتزم الصمت، وضرب الجرس مستدعيا بعض مساعديه المسئولون عن تصدير السلاح للصهاينة قائلا: الآن فقط فهمت القضية الفلسطينية، أوقفوا السلاح المصدر لإسرائيل، وكانت حينذاك إسرائيل تحارب بأسلحة فرنسية وليست أمريكية.
ولأن الشئ بالشئ يُذكر، يجب أن أشير هنا أيضا إلى ما كتبه الصهيوني العتيق بن جوريون – أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني – عن ضرورة العلاقة بين عصابته ودولة إثيوبيا، وعن أهمية أن تكون تلك العلاقات علنية، وعلى أساس أنهما (الأمتين غير الإسلاميتين الوحيدتين، على البحر الأحمر )، كما حرص الكيان الصهيوني على تقديم المساعدات العسكرية والتكنولوجية إلى أديس أبابا بصفةٍ مستمرةٍ إبان حربها ضد إرتيريا، وفي العام 1975 أعلن هذا الكيان أحقية يهود الحبشة الذين هُجِّروا من قبل للمواطنة في إسرائيل، فعاد حوالي 6 آلاف يهودي فلاشي إليها عن طريق السودان أيام رئيسها الأسبق جعفر نميري؛ فيما استمر بقيتهم بإثيوبيا حتى اليوم، وهذه قضية أخري سأرجئ الحديث عنها حاليا.
ما سبق، ما هو إلا قليل من كثير ضمن سيناريو المؤامرة المتشعبة ضد مصر، نأتي لدور (عمر البشير ونظامه) حتى بعد خلعه من الحكم بسبب فسادهم وأمور أخرى، وسأبدأ باللقاء الثنائي الذي اتفق فيه عبد الفتاح البرهان – رئيس المجلس السيادي السوداني – مع (نتانياهو) في دولة أوغاندا على تطبيع العلاقات بين الدولتين، وهذا ما جاء على لسان (نتانياهو) بعدما أنكره (البرهان)، ولربط هذا بذاك، تابع جميعنا “موقف المسئولين السودانيين، وهم يرفعون بُرقع الحياء ليتحفظواعلى مشروع قرار مجلس وزراء الخارجية العرب؛ الذي يُؤكد تضامن الجامعة العربية مع موقف (مصر والسودان) في أزمة سد النهضة الإثيوبي، باعتبارهما دولتي المصب، وكأن هؤلاء المسئولون لا يعنيهم مصلحة شعبهم لا من قريب أو من بعيد، بقدر رغبتهم في الكيد لمصر !!
مسئولو السودان (الإخوانجية) على يبدو، برروا تحفظ على قرار الجامعة العربية بزعم إنه قرارا ليس في مصلحتهم، ورأوا إنه لا يجب إقحام ” الجامعة ” في هذا الملف، مدعيين تخوفهم مما قد ينتج عن ” القرار” من مواجهة عربية إثيوبية !!
أعضاء الوفود العربية – ولهم كل الشكر والتقدير على موقفهم المحترم من هذه القضية المصيرية – أوضحوا أن دعمهم للدولتين الشقيقين (مصر والسودان) لا يهدف إطلاقا إلى مواجهة أطراف أخرى كما يدعي مسئولو السودان ؛ مؤكدين أن موقفهم العربي مع مصر؛ واجب يتعين القيام به اتصالاً بملف يهدد الأمن القومي العربي في مجمله.
موقف الوفود العربية لصالح مصر من سد الخراب الإثيوبي، لم يلق قبولا لدى إخوان السودان؛ فتمادوا في غيهم أكثر وأكثر عندما كشفوا عن ” عورتهم ” بالرغبة في استمرار تحفظهم على قرار الجامعة حتى بعد حذف اسم السودان من مشروع القرار، وقصره على حماية المصالح المائية لمصر!!.. كما حاولوا إفراغ مشروع القرار من مضمونه، لكن بقية الأشقاء العرب (نفروا) من هذا الموقف الـ “…….” ودافعوا عن جدوى وأهمية القرار، وفي نهاية الجلسة أقرت ” الجامعة ” رغما عن أنف إخوانجية السودان إقرارا مهما قدمته مصر بشأن سد النهضة يؤكد على حقوق مصر التاريخية في مياه النيل، ويرفض أي إجراءات إثيوبية أحادية.
بسبب التحول الخطير في موقف إخوان السودان من مصر؛ أبدي أعضاء الوفود العربية استياءهم واندهاشهم!!.. وبصراحة عندهم ألف حق وحق؛ لكن غاب عن ذهنهم تاريخ وهوية وتوجه (الحاشية الإخوانجية) المتحكمة في مفاصل السودان حتى بعد رحيل عمر البشير الذي أجر جزيرة سواكن السودانية لأخيه الإخوانجي التركي نكاية في مصر!!
إذا ما فعله (البشير) أمس، وما يفعله بقايا نظامه اليوم؛ ليس جديدا علينا إطلاقا؛ فقديما قالوا ” إذا عُرف السبب.. بطُل العجب “.. فعندما يدعي أحدهم ان “المياه مياه اثيوبيا؛ تأخذ منها ما تشاء؛ ثم تصرف الباقي للسودان، لتأخذ منها أيضا ما تشاء، ثم يذهب الباقي لمصر” ؟!.. فهنا لابد من موقف حازم وحاسم تجاه هؤلاء الـ ” …… ” مهما كان الثمن، وهنا نطرح السؤال التالي:” في أي شريعة، وأي قانون للأنهار الدولية، تتحكم دول وفرة المياه في دول دول نقص المياه تحت سمع وبصر المجتمع الدولي دون حساب أو رقيب ؟!.. إنها البلطجة إذا ولا شئ غير ذلك، وإلا هل أصبحنا نعيش – فعلا – تحت رحمة (السودان واثيوبيا) ؟!.. الإجابة: بالطبع لا وألف لااااااا، فالشعب المصري – خلاااااص – نفذ صبره من مؤامرة إخوان السودان وصهاينة إثيوبيا ضده.
باختصار شديد جداً، ودون مواربة، لا أمل في السودان بمسئوليه الحاليين (عصابة عمر البشير)، ولن يتغير موقفهم، بل سيزدادوا ” تنمرا وتمردا ” تجاه مصر، والمطلوب الآن وليس بعد؛ أن نتخذ موقفا قوياً ضد هذه العصابة التي لا تبالي – حتى – بمصالح شعبها، وتضرب بها عرض الحائط؛ أملا في الاضرار بأمن مصر المائي لصالح الأعداء، فقديما قالوا: “عز نفسك تجدها “، وعلى أعداء الأمس واليوم والغد أن يستوعبوا مكانة مصر وكبريائها وكرامتها قبل أن تقع الفأس في الرأس.
(تميم و موزة والحمدين)، أربعة تروس فاعلة في عجلة المؤامرة الصهيو – أمريكية الكبري ضد مصر، خاصة والمنطقة عامة، وقد تجلى دورهم التآمري في تحريض إثيوبيا أيضا ضد مصر، فمنذ أيام قليلة، استضافة قناة الجزيرة خبيراً سودانياً بدرجة بروفيسور يدعى أن مخاوف مصر من بناء سد النهضة لا أساس له من الصحة، مبررا كذبه أن السد أنشئ لتوليد الكهرباء لا لحبس المياه والإضرار بحصة مصر من المياه!!
كلام هذا الخبير يكشف لنا إلى أي مدي أصبح التعاون والعداء الوقح، بين إخوان السودان وصهاينة إثيوبيا ضد مصر، بدليل رفض (آبي أحمد) التعهد بضمان الحد الأدني من مياه (مصر والسودان)، كاشفا هنا عن سوء نيته وادعاءاته التي روجها منذ توليه الحكم بأن سد النهضة لتوليد الكهرباء فقط، ثم يفاجئ العالم أجمع بـ (لحس) كلامه بعد انقلابه على نفسه في اتفاقية (إعلان المبادئ) برفضه الإقرار بأن ” السد ” للتنمية الاقتصادية إضافة إلى توليد الكهرباء !!.. وهنا نلفت نظر مسئولينا عن هذا الملف الخطير، بأنه كان ينبغي عليهم في البنود العشرة للاتفاقية صياغة الآتي: تتعهد اثيوبيا بـ “………. “، وليس كما جاء في بنود الإعلان البدء بعبارة: تتعهد الدول الثلاث بـ “……… “.. لأن إثيوبيا هي التي اقامت السد العملاق المخالف للقانون، وهي المسئولة عن تقليل آثاره الضارة على دولتي المصب أو منعهما !!
والطريف في شخصية (آبي أحمد) المخادع الإثيوبي، الذي مُنح جائزة نوبل للسلام لأسباب مفضوحة، إنه عندما تولّى منصبه؛ أطلق تصريحاته الإيجابية عن الإسلام والمسلمين، بزعم أنه مولود من أب مسلم وأم مسيحية، تماما كما فعل من قبله الرئيس الأمريكي السابق بارك أوباما في زيارته التاريخية إلي مصر، لكن للأسف الشديد؛ اتضح أنهم جميعا تجرعوا من ذات الماعون الماسوني المعادي لمصر قبل توليهما السلطة، وقد أكد (آبي أحمد) ذلك في زيارته لإسرائيل عندما لبس (طاقية) أسياده أمام حائط المبكي ليؤدي فروض الطاعة لإسرائيل، فقال أن “سياسة بلاده الخارجية ثابتة، ولم ولن تتغير بتغير رئيس الحكومة، وأن لدى إثيوبيا مصالح كبرى في الحفاظ على علاقتها بإسرائيل”!!
وعلى نفس الخطى، واستكمالا للدور الصهيوني لضرب مصر، هرول (تميم) في يوليو 2017 لزيارة أثيوبيا بعد قطيعة دامت 6 سنوات بين البلدين، ووقع اتفاقيته المشبوهة مع رئيس الوزراء السابق ديسالين، ومن نتيجة هذه الزيارة، ضخ استثمارات بلغت 8.5 مليار دولار؛ عقب نجاح الدبلوماسية المصرية في ايقاف تمويل صيني وايطالي للسد بمليارات الدولارت للسد الكارثي، ولم يكتف (تميم) بذلك، بل وعد (ديسالين) بزراعة مليون و200 الف فدان في منطقة السد!!.. وفي أول زيارة له إلى قطر، عقد (آبي أحمد) جلسة محادثات مع (تميم) طالباً منه زيادة الاستثمارات القطرية في الاستثمار والسياحة والبنية التحتية الإثيوبية، ومن الطبيعي كان لا بد أن يكون المقابل الذي طالب به (تميم)، هو عرقلة أي اتفاقيات من جانب حول سد النهضة مع القاهرة.
ومن إثيوبيا إلى السودان، وفي بداية التحرك الشعبي السوداني ضد حكم عمر البشير، ظل (تميم) يرصد بدقة ما ستسفر عنه نتائج هذا الوضع الخطر على مصالحه ومخططه الإجرامي بعد سقوط حليفه الإخواني في القطر الشقيق، إلى أن تم التوافق على حكومة انتقالية للبلاد يترأسها عبد الله حمدوك؛ الذي تعرض منذ ثلاثة أيام لعملية اغتيال مازالت قيد التحقيق، رغم أن أصابع الاتهام الأولية تشير إلى ضلوع رجال (البشير)، حيث يرأس (حمدوك) حكومة تكنوقراط؛ تعمل بموجب اتفاق لتقاسم السلطة بين المدنيين والجيش، مدته 39 شهرا، جرى إبرامه بعد أبريل الماضي.
(حمدوك) أشار في أول حديث له عن تبنيه ثلاث محاور أساسية، هي: إيقاف الحرب وإحلال السلام مع الجماعات المسلحة المتناحرة، وبناء اقتصاد قوي قومي يقوم على الانتاج، وبناء سياسة خارجية قومية تعمل على رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهنا وجد (تميم) ضالته في كلمة (حمدوك)، فأخذ على عاتقه التواجد في السودان من خلال التركيز على هذه الزوايا، حفاظا على الاستثمارات القطرية في السودان بعد رحيل (البشير) بشكل معلن من ناحية، ومن ناحية ثانية يستمر في محاولاته لخلق الفتن أملا في عودة النظام الإخوانجي للمشهد مجددا من خلال الدعم الخفي لعناصر الإرهابية، والدعوات للمليونيات، مستغلا في ذلك الخلافات الواقعة بين القوى المدنية من جهة، والحكومة الانتقالية والجماعات المسلحة من جهة أخرى، وفي ذات الوقت يظهر (تميم) بمظهر رافع راية السلام، الذي يعمل على استعادة الحديث عن اتفاقية (سلام الدوحة) الموقعة إبان حكم (البشير)، وذلك لمغازلة أجندة السودان الجديد، وهذا ما تبناه الإعلام القطري منذ ذلك الحين وحتى الآن!!
في 22 يناير 2015 زار (العثمانلي) التركي أديس أبابا، والتقى هو الآخر (ديسالين) لـ “ـتحفيزه على استكمال بناء سد النهضة، والمضي قدما نحو الانتهاء من المشروع الضخم، دون الالتفات لأي مزاعم مصرية بوقف البناء أو تعديل تصميماته”، يأتي موقف (أردوغان) في إطار مساندته الدائمة للجماعة الإرهابية ورئيسها المعزول وتشويهه صورة مصر، والتطاول على قيادتها السياسية حينئذ، وفي أواخر ديسمبر من نفس العام زار (أردوغان) شقيقه الإخوانجي السوداني ( البشير) وعقدا معا اتفاقية تأجير (جزيرة سواكن) السودانية، وبذلك يكون (البشير) قد فرط في مكان إستراتيجي ذات أهمية تاريخية إكراما لعيون سيده العثمانلي الذي يعتبر الجزيرة رمزا للأتراك كونها كانت تدار مباشرة من السلطان العثماني، في الوقت الذي يمثل فيه التمدد التركي خطرا ملحوظا على أمن المنطقة، هكذا كان (البشير) مجرد كومبارس في المسرحية الإخوان الإرهابية ضد مصر، وهكذا سهل ويسر للعثمانلي التركي فرصة جيدة للتغلغل في فضاءات جغرافية سودانية تعتبر مجالا حيويا لأمن (السعودية ومصر) معاً لأنها تطل على الساحل الغربي للبحر الأحمر شرقي السودان عند خطي عرض 19.5 درجة شمال وطول 37.5 درجة شرق وهي مجال حيوي – كما ذكرنا – للأمن القومي العربي.
وتنفيذا لأجندة أسياد (أردوغان وتميم).. أُجبر الطرفان على البدء في تنفيذ الإعداد لفصل جديد من المسرحية العثمانلية، فاتجه النظام القطري إلى تمويل المخطط التركي الجديد في آسيا الوسطى، وهذا ما كشفت عنه المعارضة القطرية والتركية معا، حتى أن (أردوغان) طلب من (تميم)، مباشرة وضع كافة الآليات المالية لتلك الخطة فور الانتهاء من الانتخابات التركية التي خسر فيها (أردوغان) كل أرضيته أمام المعارضة في اسطنبول وأنقرة، وهو الأمر الذي عجل بكشف بقية خيوط السيناريو الاستحوازي للجماعة الإرهابية في المنطقتين طمعا في كسب جولة جديدة من النفوذ المالي والسياسي لإعادة بناء وتقوية تيار تنظيم الإخوان الإرهابي.
وهذا هو ذات المخطط الشيطاني لنفس الشخصين (أردوغان وتميم) حاليا في كل من (ليبيا وسوريا) ، حيث يدفعا – عادة – مجموعات إرهابية لشن عمليات تخريبية لتهريب المستثمرين المنافسين لهما كخطوة أولى، يلي ذلك محاولة تصعيدهما العقائدي الإخوانجي بخداع الطبقات الشعبية واقناعها بأن تنظيمهما الإرهابي، هو الذي يستطيع الوقوف في وجه أفكار ” داعش والقاعدة “، بينما هو في الحقيقة أساس عقيدة التنظيمين الارهابيين!!.. لذلك وجب علينا من الآن، التعاون التام مع شعوب وحكومات دول آسيا الوسطى لاتخاذ الحيطة والحذر من هذا المخطط الشيطاني الذي ظهرت أولى بوادره في ظهور التسعيني الماليزى مهاتير محمد مجددا للسلطة.
أخيرا، يأتي الدور الأمريكي، بصفته اللاعب الأساسي والمحرك الفاعل لمُخطط تعطيش مصر من أجل عيون (ماما إسرائيل) منذ البداية وحتى الآن، وذلك من خلال شخص (ترامب).. والذي أعاد للأذهان دعم سلفه (أيزنهاور) لـ (هيله سيلاسي) بذات الأزمة، بداية خمسينيات القرن الماضي مع خالد الذكر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، هذا أولا، وثانياً تواطؤ الأمريكان مع إثيوبيا في المعلومات والصور التى التقطها القمر الصناعي الأمريكي أثناء مراحل بناء السد، أما ثالثا فإثيوبيا أصبحت الحليف الاستراتيجي الأهم في القرن الإفريقي لأمريكا، لذا كان من الصعب على مثلي كمواطن مصري أن أتقبل ظهور (ترامب) بصورة الحمل الوديع خلال توسطه في مشكلة سد النهضة على مدار ثلاثة شهور متواصلة لسبب إضافي بسيط جدا، وهو مقارنتي لدوره (المتعجرف) ضد الفلسطينيين لصالح الإسرائيليين، و(رخاوته) مع الإثيوبيين ضد مصر في قضية بهذه الخطورة.
وبناء عليه، ظهر (آبي أحمد) مزهوا كالطاووس بسبب دعم واشنطن الاقتصادي له بمبلغ 1.7 مليار دولار من البنك الدولي 2018، فى الوقت الذى لم تحصل فيه مصر إلا على 1.3 مليار دولار كمساعدات عسكرية، وخلال زيارة (آبى أحمد) لواشنطن أغسطس 2019، كُلِفَه سيده (ترامب) بتسوية النزاعات الإفريقية مقابل توفير دعم دولي للإصلاح الاقتصادي الإثيوبي، وتسهيلات كبيرة لمشروع (السد)، بالإضافة إلى وعود أمريكا تنشيط التجارة الإثيوبية للحد من الاحتكار الصيني في القارة السمراء، بمعني أن رجل إثيوبيا الأول أصبح أحد أذرع الأمريكان لمواجهة التمدد الصيني والروسي في إفريقيا أيضا!!