إذا كانت الدراسات المستقبلية أو علوم المستقبل قد نشأت بشكلها الحالي في المجتمعات الغربية، فإن ذلك قد أسفر عن عدة نتائج في الأوساط العربية تراوحت ما بين الإعجاب والدهشة والرفض والارتياب، ولم يخلو الأمر من بذل بعض المحاولات العربية المتناثرة للاقتراب من الدراسات المستقبلية. لقد اختلف مفهوم الدراسات المستقبلية وتراوح ما بين اتجاهات عديدة، أولها اتجاه يسعي للتعريف بها كما نشأت في سياقها الغربي، وآخر يحاول التوفيق بين نشأتها الغربية وأهمية تأصيلها مجتمعيآ ومعرفيآ مع التأكيد علي أنها ليست محاولة تنبؤ أو افتراء علي الغيب، وثالث يحاول بالفعل تسكين الدراسات المستقبلية كمفهوم ومجال دراسة في إطار رؤية إسلامية للمستقبل، والمتتبع للدراسات المستقبلية يمكن أن يضل طريقه بسهولة بين هذه المفاهيم المتباينة، فهناك كتابات تتحدث عن الوعي المستقبلي لدي العرب وإشكالياته أو غيابه، ثم تأتي أخري تتحدث عن أهمية الدراسات المستقبلية والتعامل العلمي العقلاني مع المستقبل العربي. لقد تطورت علوم المستقبل خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، وأصبحت تتناول موضوعات محددة المحتوي وجدول زمني للعمل ومنهج علمي يتواكب مع عالم اليوم الذي يتسم بإيقاعه السريع في التغيير. وإذا كان النصف الثاني من القرن العشرين يمثل نقطة انطلاق الدراسات المستقبلية وبدء ظهور المؤسسات والمراكز العلمية المتخصصة فيها، حيث بادرت الدول المتقدمة علميآ وتكنولوجيآ بتأسيس هذه المراكز المتطورة لاستشراف المستقبل مما أسفر عن نموها وانتشارها في العديد من دول العالم، إلا أن العالم العربي لم يشهد سوي مؤسسات ومراكز محدودة وإن كانت لا تخلو من مبادرات بحثية تنهض بها بعض المراكز العلمية بين الحين والآخر مثل مشروع المستقبليات العربية البديلة الذي نفذه مركز دراسات الوحدة العربية في ثمانينيات القرن الماضي، ومشروع مصر ٢٠٢٠ الذي تبناه منتدي العالم الثالث بالقاهرة، ومشروع مصر ٢٠٣٠ تحت مظلة مجلس الوزراء المصري. والسؤال، هل يستمر العرب أسري للماضي الذي يستدعون فيه بطولات ونماذج من التاريخ بدلآ من محاولة استشراف المستقبل سعيآ للمشاركة في صنعه وتصحيح مساراته؟، هناك بعض الحضارات التي نهضت في الماضي وبلغت الذروة ثم سقطت بعد ذلك لكونها لم تستطع مواكبة الحاضر واستشراف المستقبل. لقد طرحت الدكتورة عواطف عبد الرحمن في كتابها القيم لبعض النماذج من تطبيقات الدراسات المستقبلية في مجالات الإعلام المختلفة بحكم التخصص مثل صحافة المواطن، ومستقبل الإعلام الرقمي، ومستقبل الصحافة المطبوعة في العالم العربي، ونماذج من البحوث المستقبلية عن الإعلام في مصر وبريطانيا وألمانيا وجنوب إفريقيا ورؤية مستقبلية للقارة الإفريقية. إن هذا الكتاب يفتح آفاقآ جديدة في بحوث الإعلام والاتصال والعلوم الاجتماعية بوجه عام لفائدة الباحثين والدارسين والممارسين للعمل الإعلامي . شكرآ أستاذة الأجيال الدكتورة عواطف عبد الرحمن.