يجيء رمضان هذا العام، وكأنه غريب بيننا، فلا صلوات تمتلئ بها المساجد، ولا تهجد يدعون الله فيه كل ليلة أن يتقبل الصيام، ويستجيب لهم الدعاء بالرحمة والمغفرة.
أمر – في الحقيقة – جلل، ويستحق منا التأمل فيما آلت إليه الأمور؛ فإذا نظرنا بعمق إلى الأحوال التي وصلنا إليها، فستتضح أمور كثيرة، منها أن الله سبحانه وتعالى ينبئنا عن غضبه وعدم رضاه عن أعمالنا.
نضف إلى ذلك؛ ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، وسفك دماء الأبرياء على يد من لا يخشى الله في خلقه، ثم انتشار الفسق والفجور هنا وهناك، بشكل علني تارة، وبشكل مستتر تارة أخرى، وتحت مسميات ما أنزل الله بها من سلطان.
وفي ظل هذا العالم المادي الذى تسابقت فيه قوى الظلم والبغي والعدوان بالاعتداء على المستضعفين في الأرض دون حسيب أو رقيب، فكان لابد أن يأتي عقاب الله؛ ولمِ لا وقد افتقنا للناصح الذي يحذر، والرشيد الذي ينذر، وداعية دين الذي يبادر بالتوجيه والارشاد والتنبيه من غضب المولى عز وجل وعدم مخالفة أوامره حفاظا على كسب رضاه، من أجل أن تتنزل البركة علي عباده، وينتشر الأمان والأمان بينهم، ويرزقهم من حيث لا يحتسبون.
لقد تمردوا على الله وعصوا أوامره سبحانه وتعالى؛ فأرسل عليهم عقابه بعد إنذارهم بقوله سبحانه: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ”.. ( سورة السجدة.. الآية 21 ) حتى تم قفل المساجد، وكأن الله لا يرغب فى استخدام مساجده، وهو يعلم أننا نصلي عادات وليس عبادات، ولَم نتبع منهجه فى التعامل والعلاقات الإنسانية وقيم الفضيلة التى جعل رسولنا الكريم – صل الله عليه وسلم – قدوتنا لنا فى تطبيقاتها بسلوكياته الراقية مع كل الناس.
لقد نسينا كتاب الله سبحانه وتعالى وأعرضنا عن ذكره، فأنزل جل جلاله علينا غضبه، لعلنا نستجيب لدعوته ونرجع إليه رجوع المعترف بخطئه في حق خالق، ومن ثم يبدى ندمه ويلتزم بما جاء في كتابه العزيز؛ كما بلغنا به رسوله الكريم – عليه أفضل الصلاة والسلام – حتى يرضى عنا، ويزول غضبه الذى أدى إلى إغلاق بيوته لتظل؛ المساجد مغلقة حتى نستفيق من الغفلة، ونرجع إلى الله صادقين فى عبادته، منيبين إليه، طائعين أوامره، منفذين تشريعاته، متبعين عظاته ليأمر سبحانه بفتح بيوته مرة ثانية، وقد رضي عنا وصدقناه العبادة، فالله يهدي عباده لطاعته ويرفع عنا مقته وغضبه، ويغفر لنا ذنوبنا إنه هو الغفور الرحيم، يقول تعالى: “أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } ۱۰٤{ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }۱۰٥{ وَآَخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ” }۱۰٦{.. ( سورة التوبة ).