نواصل التأمل في معنى الوسطية المذكورة في القرآن الكريم بسورة البقرة الآية ١٤٣:
(وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ )
ونتساءل هل هناك ارتباط بين مفهوم الوسطية بمعنى العدل بين متناقضين اي عدم الغلو وعدم التفريط والقيم التحريرية في صناعة الأخبار ؟
قلنا إن هناك ثلاث قيم مهمة جاءت من إطار فهمنا للوسطية هي :
1)الإنصاف وهنا نتناول شكلين الرأي والخبر أما الرأي بمعنى أن الإعلامي لا ينحاز لرأي على حساب راي آخر وعليه الا يبدي وجهة نظره حتى ولو كان مؤيدا بشخصه لرأي ما مطروح في الحوار أو النقاش ويكتفي بدور Moderator أو موجه دفة التحاور ولا يتدخل الا للدفاع عن الغائب أو شرح ما تعثر فهمه أما بالنسبة للخبر هو إعطاء كل عناصره حقها دون إغفال لاحداها حتى يخرج محتوى الخبر متكاملا ومقنعا لجمهور المتلقين.
ونفس المعنى إذا تناولنا قيمة التوازن في الرأي والخبر .
2) أن الإنصاف يقود للتوازن في صياغة الخطاب وهو أقرب لفهم معنى الوسطية !
نقول مثلا أن تقييمنا لهذه النشرة أو تلك أنها غير متوازنة اي أنها افتقدت المهنية التي تعني شفافية العرض وإنصاف الرأي وتوازن الأداء بما يحقق رد فعل إيجابي من قبل المتلقي يفيد وصول الرسالة الإعلامية على الوجه الأكمل .
اذن حتى يكون الإعلامي مهنيا لابد أن يصبح منصفا ومتوازنا ومن أمثلة عدم التوازن في الخدمات الإخبارية قصور التغطيات الخارجية داخل الوطن وخارجه وتجاهل اخبار مهمة وإبراز اخبار قد تكون بنفس القدر من الأهمية أو التركيز على نوعية معينة من الأحداث واغفال احداث كان يجب تغطيتها ولا يقتصر التوازن فقط على المحتوى إنما يقتصر التوازن فقط على المحتوى إنما يقتصر التوازن فقط على المحتوى إنما يقتصر التوازن فقط على المحتوى إنما يشمل التوازن الالوان وشكل الكادر أو الصورة أو ديكور الاستديو .
3) اما فيما يتعلق بالقيمة الثالثة التي تثير جدلا في الأوساط الإعلامية المهنية والأكاديمية هي قيمة الحيادية على مستوى الرأي والخبر وهل الموقف المحايد يتفق مع الوسطية والموقف غير المحايد لا يتفق مع الوسطية ؟!
لابد ان نشير الى ان الوسطية اذا كانت تعني العدل والانصاف فانها تتقبل حيادية الموقف بالنسبة للغير بمعنى اذا كان الخبر يتعلق بطرف أو اطراف بعيدين عنك فمن الضروري الالتزام بموقف حيادي لكن الأمر يختلف اذا كنت ندافع عن قضية أو مبدأ انت طرف فيه وهنا في حالة الخبر تلتزم التوازن دون الاخلال بموقفك وفي حالة الرأي لابد ان تلتزم بعدم الحيادية لو كنت تناقش قضيتك مع عدو لك هنا لا مكان للحيادية بمعناها الايدلوجي وهنا تصبح الوسطية هي التعامل مع الواقع وفق معطياته بشكل عادل ومنصف لك ولوطنك وقضاياك وهو انحياز مشروع يمكن ان نقول عنه الحياد الايجابي خاصة ان الحياد بمعناه المطلق في مسائل تتعلق بامن الوطن وسلامة اراضيه هو موقف اقرب ما يكون للخيانة وهنا نتذكر قول الله سبحانه وتعالى إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحج: 38].
أما الحيادية بمعناها المهني تعني التوازن في الشكل والمحتوى وهو يختلف عن الحيادية بمعناها الايدلوجي .
مثال يجب ان تجمع الصورة كل عناصر الموضوع أما المحتوى يجب ان يحتوي على مفردات واضحة شاملة جامعة وهذا ما اكدنا عليه من قبل .
اذن الوسطية في الإسلام وسطية جامعة، تمثل موقفًا ثالثا بين القطبين المتقابلين والمتناقضين، لكنها لا تغاير هذين القطبين مغايرة تامة، وإنما تَجمع منهما عناصرَ الحق والعدل؛ لتكوِّن منها وبها هذا الموقف الوسطي الجديد، فهي في حقيقتها رفضٌ للغلوّ الذي ينحاز إلى قطبٍ واحدٍ من هذين القطبين:
غلو الإفراط أو غلو التفريط.
إن وسطية الإسلام الرافضة للغلو المادي والغلو الروحي هي وسطية لا تغير المادة والمادية، ولا الرُّوح والروحانية كلية، وإنما هي الوسطية الجامعة لعناصر الحق والعدل من المادية والروحانية جميعا، على النحو الذي يوازن توازن العدل بينهما؛ ولذلك فإنها تصوغ الإنسان الوسط: راهب الليل وفارس النهار، الجامع بين الفردية والجماعية، الإنسان بين الدنيا والآخرة، بين التبتل للخالق والاستمتاع بطيبات وجماليات الحياة التي خلقها الله وسخرها للانسان .
أن الوسطية مفهوم أقرب ما يكون للتطور الديالكتيكي الذي يعتبر عماد الفكر الاشتراكي الذي يقوم على الصراع بين فكرتين حتى تأتي فكرة جديدة افضل ترتقي بالفكر والعقل .
ونرى أن هذا هو سر التقدم لدى كثير من الشعوب المؤمنة بفكرة الوسطية الجامعة وما يعنينا في هذا المقام هو ان الحيادية مفهوم يؤخذ بعين الاعتبار لكنه لا يطبق بلا تدقيق في الاعلام والأخبار على وجه التحديد ! بما يؤكد الحرص على اتقان العمل في قوله تعالى
مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) (النحل: الآية97)
وقوله (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلا الْمُسِيءُ) (غافر: الآية58) ثم
قوله (وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) (النجم: الآية31) صدق الله العظيم .
هكذا جاء الربط بين الاتقان وصلاح العمل فلو التزم الاداء الاعلامي بهذا النهج لوضعنا اقدامنا على الطريق الصحيح نحو اعلام مهني صادق !