تعد مهمة صياغة الرسالة الإعلامية واحدة من أهم وأخطر مهام من يعمل في مجال الأخبار ما يجعل الإعلام أما عامل هدم أو عامل بناء وسوف يسأل الله الإعلامي عن محتوى رسالته يوم يأتي يوم لا ظل فيه الا ظله !.
ويمكن القول إن وحدة التعامل في هذه الرسالة هي الكلمة المنطوقة والمقروءة وهي أما تكون صالحة أو طالحة .
وكما يقولون الكلمة كالرصاصة إذا انطلقت لا تعود وعليه نحرص على تعليم الأجيال الجديدة كيفية اختيار الكلمة المناسبة عند صياغة الخبر الموجه للمتلقي الذي عليه أيضا مهمة حسن اختيار ما يسمعه أو يشاهده أو يقرأه بمعنى أن المسئولية بين الجانبين مشتركة .
والكلمة اذن موجهه للفكر والعقل ولهذا نتساءل :
كيف نحمي أنفسنا من أثر الكلمة السيئة على عقولنا وأفكارنا ؟
يشير القرآن الي ٣ مواضع لحماية القلب من أثر الكلام السئ.
سورة الحجر: الايتام آية 97.98
” وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِين “
نلاحظ أن أهم صفات الكلمة التأثير الناجم عنها الذي قد يجعل المتلقي يضجر بما يراه ويسمعه أو يقرأه ويعد ضيق الصدر من أخطر تأثيرات الكلمة والعكس رحابة الصدر أمر مطلوب لبناء الوعي ومن بين ما يعتبر ضيقا خطاب وصور العنف الذي أصبح عاملا مشتركا في نشرات الأخبار فلا تخلو اي نشرة من اخبار الصراعات والقتل والدماء هنا او هناك ومع تكرار الأخبار التي ترسخ ثقافة العنف في الإطار المرجعي لعقل المتلقي حتى نراها تضحى أمرا عاديا حتى بالنسبة للأطفال ولما لا ومعظم الالعاب الاليكترونيه بيد الاطفال تدور في دائرة العنف في الهواتف والأجهزة اللوحية والحواسيب .
وننتقل إلى ايه أخرى في نفس الاتجاه
سورة ق؛ الآية ٣٩
” فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ “
وفي سورة طه الآية ١٣٠ موضع ثالث في نفس المعنى :
” فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ۖ “
يمكن القول إن هناك تأكيدا قرآنيا على علاقة القول بحالة المرء من حيث الرفض أو الرضا.
وإذا كان الخطاب الإعلامي يسير دائما في طريق الرفض والضجر وضيق الصدر فإن التكوين النفسي للمرء يصبح غير سوي ولهذا نعود من جديد للتأكيد على فكرة التوازن في الخطاب الإعلامي .
اذن الإعلام المتوازن هو غاية نبغيها ومستمده من فهمنا للايات المذكورة
ويطرح القرآن طريقا يعين على مواجهة السيئ من القول التسبيح والصبر والسجود وكلا منها يحمي عقل وقلب الإنسان من الأثر السيء للكلمة .
ونأخذ من الطرح القرآني في الإعلام صفات يجب أن يتصف بهما من يعمل في الأخبار تحديدا من التسبيح ناخذ الهدوء النفسي والثبات الانفعالي ومن الصبر ناخذ التروي والتدقيق فيما يقال بالنسبة لصانع وموجه الرسالة والمتلقي أو مستقبل الرسالة ومن السجود الرضا ورحابة الصدور .
ان هذا المستوى من استيعاب الرسالة أو الخبر يورث شعورا من الرضا يستقر في القلب و يثبت في العقل ويحد من الشعور بالاحباط ويبعد عن مسببات الاكتئاب .
وهذا ما نجده واضحا في الآية ٩٧ من سورة النحل :
{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }
ومن ضمن الصلاح الكلمة السوية المقنعة التي ترتقي بفكر المتلقي ونلاحظ أن هناك ربطا بين الأعمال الجيدة والجزاء المترتب عليها وهو ترتيب منطقي نراه أيضا في ترتيب العملية الإعلامية بدءا من المقدمات أو المعطيات وصولا إلى النتائج أو المخرجات .
ان غاية البناء الإعلامي للمتلقي هو وجود انسان سوي يعي ما حوله وما له وما عليه وليس صدفة أن يكون الهدف نفسه هو احد سمات الخطاب القرآني .
ويعتبر هذا التناغم ضرورة حتمية لرقي الرسالة الإعلامية وكما أسلفنا إن البداية من الكلمة حيث تؤثر دلالة الكلمة في محتوى الرسالة
ففي الآية 19 من سورة يونس (وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)
يؤكد الخطاب القرآني دور الكلمة في الحد من الاختلاف وهو من وجهة نظرنا إن غاية الحوارات الإعلامية التوصل إلى أرضية مشتركة بين المتحاورين والاراء المختلفة وإذا وضعنا في ذهننا نحن العاملين في الأخبار ولاسيما البرامج الحوارية مقولة الامام الشافعي مذهبي صواب يحتمل الخطأ ومذهب غيري خطأ يحتمل الصواب فإن الرأي والرأي الأخر يصبحان وفق ما تقدم عامل دعم وبناء لعقل وفكر الإنسان ولهذا تحرص المجتمعات الديموقراطية على أن يكون أعلامها مدعما بفكرة الرأي والرأي الآخر وهو الأمر الذي تفتقده المجتمعات ذات الأنظمة الشمولية وللحديث بقية .