واحدة من أهم القيم الاخبارية public interest أو الصالح العام والمقصود بها عدم خروج السياسة التحريرية عن حدود مصلحة المجتمع من كل النواحي ولكن يتبادر إلى الذهن سؤال من الذي يحدد (الصالح العام ) هل هم جمهور المتلقين ؟ ام صانعو السياسات الإعلامية ؟ بعبارة أخرى إن المفهوم بات خاضعا لاكثر من وجهة نظر فهناك كثير من الكلمات المستخدمة في الإعلام يمكن أن تؤول باكثر من معنى أو تفسير خاصة مع غياب دليل السياسة التحريرية الخاص بالوسيلة الإعلامية .
ولهذا تظل الإشكالية قائمة طالما استمر وجود ثقافات مختلفة أو دعونا نقول رؤى متعارضه أو في ظل غياب ثقافات أخرى مثل ثقافة الاختلاف و تقبل الرأي الآخر وهي من أبسط حقوق الفرد في أي مجتمع ديموقراطي .
ونرى أن مفهوم المصلحة العامة من المفاهيم التي يستخدمها الكثير من الجهات الرسمية والمنظمات المجتمعية والافراد والاحزاب السياسية المختلفة وكل يدعي حمايتها دون ان يتم الاتفاق على معناها بدقة وماذا يقصد بها ومن الذي يحدد هذا المعنى .
تشعبت مفاهيم المصلحة العامة مع تطور الدولةفقد كانت الدولة حتى القرن الثامن عشر مقتصرة على الامن والجيش (بحسب تعبير ادم سميث «الحارس الليلي»). توسع هذا الدور ليشمل مجالات كان يقوم بها أفراد أو جماعات مثل التعليم والصحة. ازداد تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية بشكل خاص بعد الازمة الاقتصادية 1927 (الكساد الكبير) ووجدت الدولة نفسها مضطرة (تحت ضغط فكري واقتصادي) إلى التدخل لتحقيق استقرار اقتصادي وسياسي وترك المجال مفتوحا للمبادرة والمنافسة الحرة فيما دون ذلك. هذا التدخل تطور في شكل مؤسسات ادارية واقتصادية وسياسية والقوانين المنظمة لها. فكيف تطورت هذه المؤسسات والقوانين ووفق اي مصالح تم تحديد نطاقها ومسؤولياتها وصلاحياتها؟
باسم المصلحة العامة تم تحديد هذه المؤسسات والقوانين، وباسم المصلحة العامة وُضع الدستور ومنحت صلاحيات التشريع لمؤسسات الدولة لتنظيم حياة الناس. وباسم المصلحة العامة منحت مؤسسات اخرى صلاحيات تقيد الحريات وتكبل الحقوق، وتجرد بعض الافراد أو الجماعات من ممتلكاتهم وحرياتهم كليا أو جزئيا. وباسم المصلحة العامة تدخل الدولة في اتفاقيات وعلاقات سياسية واقتصادية ودبلوماسية. وباسم المصلحة العامة تنشأ الحروب والنزاعات، وباسمها تتعطل الدساتير، وباسمها يعين الوزير والمدير والمحافظ والمسؤول.
أما المتلقي يرى المصلحة العامة فيما تحقق له من مصالح خاصة في إطار ما يراه أنه صالح المجتمع الذي يعيش فيه ويبني مواقفه وردود أفعاله على ما يجنيه من منافع ويحصل عليه من خدمات تؤثر في حل مشكلات حياته اليومية بشكل إيجابي .
ولكن تبقى الاشكالية قائمة في طريقة التعامل مع المصلحة العامة والاتفاق على معناها وآليات الحفاظ عليها !
ويمكن القول إن الحل قد جاء به القرآن الكريم في قوله تعالى :
وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ سورة المائدة الآية (2).
بهذا المعنى نرى أن الصالح العام هو الذي يصل بنا إلى هدفين البر والتقوى في إطار من التعاون بين الأطراف كافة .
وفي موضع آخر يقول رب العزة سبحانه وتعالى :
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ. الانفال أية ٤٦ .
وهنا ربط الخطاب القرآني بين الخلاف والتنازع والفشل المجتمعي ودعا إلى أمرين في غاية الأهمية الطاعة والصبر على اعتبار أنهما طريق النجاة من الفشل الذي يناقض المصلحة العامة .
وفي موضع ثالث يقول القرآن الكريم : ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ الحجرات ايه 10.
إذن نحن أمام رؤية استراتيجية للحفاظ على الصالح العام حددها القرآن وذكر آليات تحقيقها .
ما تقدم يفرض على القائمين بتنفيذ السياسات الإعلامية الالتزام بالصالح العام الذي يحث على الالتئام والتعاون وعلاج المجتمع من أمراض يتضح صداها في وسائط الاتصال ومنها مثلا النفاق والتدليس والتضليل والتلفيق ونلاحظ أن بعض الإعلاميين – عمدا أو بدون عمد – سقطوا في مستنقع النفاق سواء للفكرة والفرد أو كلاهما .
وفي اعتقادي ان مثل هؤلاء يشكلون خطراً على المصلحة العامة لأنهم لا ينقلون الصورة بصدق على اي حال الحديث عن النفاق الإعلامي يحتاج لوقفة مفصلة وكيف تناوله الخطاب القرآني ؟ وللحديث بقية .