العلاقة بين الاعلام والتعليم تتمثل في دعوة الله لعباده بالقراءة . ان القراءة تعليم وإعلام في آن واحد :
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعى (٨)
سورة العلق
ان الآيات السابقة تركز على فكرة القراءة المرتبطة بالتعلم والعلم يأتي بالقلم باعتباره وسيلة النقل أو الاتصال ونرى أن هذه العملية العقلية هي ما نطلق عليها الإعلام أو الاتصال الجماهيري Mass Com ويمكن القول إن التعيلم بمعنى education واعلام بمعنى information كلاهما مشتق لغويا من فعل المصدر علم ( فٓعٍلٓ) وإذا اقترنت التاء بالفعل فإن ذلك للدلالة على وجود وسيلة تحقق الفعل كما في حالة العلم والتعلم والحق والتحقق والطاعة والاستطاعة والفخر والتفاخر الخ بينما الإعلام يعني الابلاغ للتبين من وقوع الفعل أو الحدث ولهذا غالبا ما يقترن الإعلام بالاحداث الجارية current affairs ومن ثم الاعلام الصادق هو الاعلام الطبيعي الذي لا يخضع لعوامل خارجية تجعله موجها الأمر الذي يفقد مصداقيته ولكن التعليم مقترن بالعلوم أو المعرفة knowledge ولذا نحتاج الى التعلم للاستفادة من العلم ولا نحتاج الى التأعلم للاستفادة من الاعلام .
غير انه يجب ان نلاحظ أنه سواء الإعلام أو التعليم يحتاج إلى العلم بالشيء الجديد المتطور ولهذا نجد أن ارحموا ( الأخبار) إلى اللغة الإنجليزية تعني NEWS وهي ترجمة حرفيه لجمع كل ماهو جديد والجديد في معرفة الاشياء مرتبط بالعلم بها في الوقت المناسب ومن هنا لا يصبح الحدث خبرا اذا كان قديما ولا يقدم للمتلقي معلومة جديدة اضف الى هذا انه يجب ان يهم المتابع له .
وكما أسلفنا تبدو الوسيلة دائما في استخدام القلم علما وتعليما واعلاما
ومن هنا جاء قول الله سبحانه وتعالى :
ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5)
سورة القلم
يتضح لنا أن من الآيات السابقة أن القلم وما يسطرون آداة فعالة لما يكتبون أو يسجلون ثم يستوعبون وهو دور مهم للاعلام أيضا وكلاهما لا يؤدي وظيفته سواء في نقل العلم أو الإعلام إلا من خلال التمسك بالاخلاق وهو ما تناولناه في المقال السابق بالتفصيل واسميناه أخلاقيات المهنة وفي الاجمال القلم يظل وسيلة تنشيط وعي الانسان حيث يسطر القلم رسالة موجهه الى المتلقي الذي يستقبل المعلومة ويتفاعل معها ويشكل مع غيره إتجاه مايسمى بالراي العام public Opinion .
وابرز القرآن الكريم أهمية الراي العام برفضه التضليل أو الكذب على المتلقي دعونا نتأمل قوله تعالى :
{ألم تر إلى الذين تولوا قومًا غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون } (المجادلة: إيه 14).
فيما عرضه الخطاب القرآني نجده واضحا وصريحا في توصيف حالة التضليل ( الاعلامي ) حيث يعلم صانع الرسالة الاعلامية انه يرسل معلومات ملفقة أو اخبار كاذبة ورغم ذلك يدعي انها الصدق وهذا هو التضليل بعينه ويعد خروجا على اخلاقيات المهنة ويرجع اسباب التلفيق الاعلامي الى عوامل كثيرة منها عدم وجود ميثاق شرف اعلامي أو عدم وجود دليل للسياسة التحريرية ويسميها البعض Style Book وكذلك قد لا تتوافر الادوات الاتصالية التي تمكن الاعلامي من تقديم رسالته بشكل صادق ومهني مثل المراسلون في مواقع الاحداث ووكالات الانباء المكتوبة والمصورة.
ورغم ذلك لا تشكل هذه العوامل مبررا مقنعا لكي يتجرد من ضميره المهني اضف الى ما تقدم ان الوسيلة الاعلامية أو المؤسسة قد تكون غير مؤهلة لصنع اتجاهات الراي العام وبالطبع ايضا قد يأتي التضليل نتيجة خوف ما من ردود افعال جمهور المتلقين التي قد تكون غير متسقة مع اهداف صانع السياسات . وهو المقصود من قوله تعالى ويحلفون على الكذب وهم يعلمون ….
اذن كي يقوم الإعلام بواجبه على أكمل وجه، ويؤدي رسالته النبيلة بحق، كان لا بد له من الالتزام بمجموعة من الضوابط والمعايير والقيم التي تحكم أداءه وتصوبه أن ضل الطريق منها الامانه والتوازن والتدقيق و عدم التعامل مع الامور بمنطق المعايير المزدوجة لأن الاعلام رسالة نبيلة وأمانة كبيرة في أعناق أولئك الذين يبذلون جهوداً كبيرة وجبارة لإيصال الحقيقة مجردة إلى الناس، فحفظ هذه الأمانة داخل في أمر الله تعالى لنا في تأدية الأمانات وإيصالها إلى أهلها قال سبحانه:{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً}
[النساء الآية 58].
خلاصة القول الاعلام أمانة كما هو العلم ايضا أمانة تستوجب شيوع العدل في المجتمع !