نعتبر الكم والكيف الاعلامي اشكالية تواجه عملية صنع السياسات الاعلامية وقد تتدخل عوامل خارجية تجعل متخذ القرار يلجأ للكم على حساب الكيف أو العكس وارى ان الكيف أو ما يعرف بصناعة المحتوى يعد اليوم الازمة الحقيقية للاعلام المصري لاسباب عديدة سنوضحها في سياق السطور القادمة .
ففي تسعينات القرن الماضي لجأ وزير الاعلام انذاك صفوت الشريف لسياسة الكم على مستوى الاذاعة و التليفزيون وتم تفسير ذلك انه لاسباب اجتماعية تتعلق بسياسة التوسع في تشغيل الخريجين خاصة خريجي كليات واقسام الاعلام ولاسباب سياسية تتعلق بمحاولة تجميل وجه نظام الرئيس مبارك من ناحية والتصدي لهجوم الفضائيات العربية والاجنبية في عالم السموات المفتوحه الذي أصبحت المنافسة فيه على اشدها وبات هناك من يحاول نزع الريادة من الاعلام المصري .
لكن كيف نظر القران الكريم الى هذا النوع من السياسات ؟
نقول ركز الخطاب القرآني على أهمية الكيف حيث لا يُقاس الالتزام بالكمِّ؛ وإنما بالكَيْف، ومن الايات التي تناولت هذا الموضوع بشكل مباشر قول الله تعالى :
لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ( الحجر آية 37)
ونرى انه لن يصعد إليه ولا يبلغ رضاه، ولا يقع موقع القَبول منه لحومُ هذه الإبل التي تتصدَّقون بها ولا دماؤها التي تُنصَب عند نحرها؛ من حيث إنَّها لحوم ودماء، ولكن يَبلغ إليه تقوى قلوبكم، ويَصل إليه إخلاصُكم له وإرادتكم بذلك وجهَه؛ فإنَّ ذلك هو الذي يقبله الله ويجازي عليه.
فالعبرة هنا بما أخلص العبد فيه وهو عمل كيفي وليس كميا ولو عمل العبد بأكثرَ من عمل أهل الأرض قاطبة بدون تقوى، لَما قُبل، ولو عمل ذرةً بإخلاص، كانت مقبولة.
وبعد ماسبق مثالا واضحا لضرورة الاتقان في العمل لانه يقود الى الابداع والتجديد والوصول الى الأفضل وهو ما نطلق عليه ( التطوير ) .
وليس معنى ما تقدم ان القرآن الكريم لا يرى أهمية للكم حيث
في المقابل قد يرى البعض ان الانتشار ضرورة لتحقيق التفوق على الاخرين وبالتالي تراه يركز على الكم دون الكيف وهو امر قد يقبل تحت ظل ظروف معينة في الغالب غير اعلامية كما اوضحنا خاصة اذا وضعنا في الاعتبار العلاقة النسبية بين الزمان والمكان وهنا تبرز أهمية الاهتمام بالكم وسنكتفي هنا بالنظر الى سورة الاخلاص التي بينت أهمية نسبة الاشياء الى رقم واحد على نحو كمي وصحيح :
بسم الله الرحمن الرحيم قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ .[3] ويتضح لنا انه من الواحد تاتي كل السعات الرقمية !
ماذا يدلنا ذلك ؟ يدلنا على ان الكم ضرورة وحقيقة تفسر كل شيء.
اذن نحن في الاعلام لو وضعنا هذه الفكرة معيارا للاداء سوف نصل الى نقطة التوازن بين الكم والكيف لانهما وجهان لعملة واحدة وهو الأمر الذي يذكرنا بمبدأ الوسطية العادلة بين طرفي معادلة ! حيث يجب ان نستغل الكم لخدمة الكيف ونؤكد ان الكيف وسيلة لتطوير الكم !
نوضح ذلك في فكرة تطوير الاداء الاعلامي والصحفي عموما لو لدينا مثلا مائة مذيع لابد من تصنيفهم حسب كيفية ادائهم بهدف توظيف مهارة الاداء لتحسين الصورة العامة أو بعبارة اخرى اداء يحقق اهداف السياسة التحريرية فإن التصنيف لابد ان يخلق درجات متفاوته بينهم وهذا يتطلب ايضا مستويات متدرجة للتدريب كما في اعداد الجيوش فإن الجيش بلا تدريب يفقد قدرته على اثبات نفسه في الميدان ونفس الكلام ينطبق على اعداد الاعلامي .
إن المذيعة التي تُترك بلا تدريب أو متابعة طبيعي سيزداد وزنها وتتاثر درجة مصداقيتها وقبولها ناهيك اذا كانت دون المستوى في اللغة والمعلومات طبيعي انها ستخطأ خاصة اذا كان لا احد يراجعها فيتدنى الاداء ويهبط المحتوى فالمتابعة المستمرة تجود الاداء والتدريب المستمر يجنب الوقوع في الاخطاء .
اضف الى ما تقدم ان ارتقاء الاداء رهن ايضا ذ بتطوير فن الكتابة أو التحرير للوسيلة الاعلامية وهو موضوع يحتاج الى مزيد من الشرح والاسترسال .