ربما هذه واحدة من أهم الانتخابات في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، لكن السبب ليس كما يعتقد البعض، بأنه ما سيترتب عليها من سياسات خارجية. فبالنسبة للإدارة الأمريكية لن يتغيّر الكثير في توجهاتها الخارجية أياً يكن الفائز، لأن الكونغرس الأمريكي يقبض على زمام الأمور فيما يتعلق بالخطوط العريضة للسياسة الخارجية، وهامش تحرك الرئيس يبقى ضمن الحدود المرسومة له.
لكن الأمور المهمة في هذه الانتخابات، تتعلق بعدة نقاط داخل أمريكا أهمها: أن الحزب الذي سيفوز بالرئاسة، سيرسم حدود الدوائر الانتخابيةالجديدة لأعضاء الكونغرس داخل كل ولاية، والتي ستستمر حتى العام ٢٠٣٢. أي أن هذه الانتخابات ستحدد أي من الحزبين سيحكم أمريكا حتى ذلك التاريخ.
أما النقطة الثانية المهمة فهي الصراع بين جيلين في الولايات المتحدة الأمريكية. أي جيل الراديكالية الذي بغالبيته بعمر فوق ال 60 سنة، والجيل الجديد الذي يُطلق عليه تسمية «جيل زد» Z، وهو الفئة العمرية التي ولدت بعد عام 1996، أي الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 24 سنة. ويُقدّر عددهم حسب مركز بيو للأبحاث، بنحو أربعة وعشرين مليون ناخب.
تشنّ وسائل الإعلام الأمريكية حملة ضد الرئيس الحالي دونالد ترامب ، تقودها وكالة CNN، وتستخدم فيها كافة الوسائل، خاصة موضع وباء كوفيد-19، ومقتل الشاب الأسود جورج فلويد على يد الشرطة. وربما وحدها وكالة Fox News تعامل ترامب بشيء من الإنصاف.
وتشير معظم استطلاعات الرأي التي تنشرها وسائل الإعلام إلى تقدم المرشح الديمقراطي جو بايدن، لكن الخبراء في الانتخابات الأمريكية يؤكدون أنه لا يمكن الركون إلى هذه الإستطلاعات لعدة أسباب: الأول أنها قد لا تكون دقيقة ، كونها تشمل عيينات محددة من الناخبين.
وثانياً: لأنه في أكثر من خمس مرات، فاز الرئيس الأمريكي بعكس هذه الإستطلاعات، كان آخرها فوز ترامب عام 2016، رغم حصول كلينتون على 3 ملايين صوت أكثر منه في الاقتراع الشعبي.
ثالثاً: يتم انتخاب الرئيس الأمريكي على درجتين، أي أن الناخبين في كل ولاية ينتخبون مندوبين عنهم، ثم يقوم المندوبون بانتخاب الرئيس، الذي يجب أن يحصل على الغالبية المطلقة للفوز أي 270 صوتاً من أصل 538 مندوباً يتوزعون على كل الولايات. حيث يتراوح العدد بين 3 مندوبين، كولاية ألاسكا و55 مندوباً كولاية كارولينا، تليها تكساس 38 مندوبا، ثم فلوريدا ونيويورك ب 29 مندوباً.
وتعتبر فلوريدا من ولايات الحسم، وتُلقّب بحصان طروادة الانتخابات الأمريكية، ومن يفوز فيها يفوز بالرئاسة، نظراً لتقارب اتباع الحزبين فيها؛ 37% للحزب الديمقراطي و35% للحزب الجمهوري، ويجري التنافس على أصوات 28%الباقين.
وأفاد مسؤول في حملة الرئيس ترامب لل «الثائر»، أن التنافس الحاد يجري أيضاً على ست ولايات متأرجحة، أهمها بنسلفانيا 20 صوتاً، وولاية أوهايو 18 صوتاً، وميشيغان 16 صوتاً، ونورث كارولينا 15صوتاً، وجورجيا 16 صوتاً، وأريزونا 11 صوتاً.
ويقول أحد المراقبين للانتخابات الأمريكية، أن الفوز سيكون لصالح ترامب لعدة أسباب؛ أولها أن خطابه متفائل وجذاب، عكس بايدن الذي يقول للأمريكيين «أمامنا أيام صعبة»، والناس تريد الأمل والخروج من حالة الجمود بعد عام تقريباً من الوباء والإحباط.
ثانيا: أن فئة الشباب «جيل زد» تميل إلى ترامب أكثر من بايدين، وسيكون لها تأثير كبير في هذه الانتخابات،
ثالثاً: أن بايدن هو في الأساس مرشح ضعيف، ولو كان الديمقراطيون يعلمون أن لديهم فرصة في مواجهة ترامب، لاختاروا شخصية شابة تحاكي طموحات ومشاعر الأمريكيين. لكن اختيارهم لبايدن(٧٤ عاماً) هو بمثابة تسليم مسبق بفوز ترامب بولاية ثانية.
رابعاً لقد أخذ الصراع داخل أمريكا شكلاً عنصرياً، فالبيض يشعرون بانهم سيكونون بخطر في حال فوز بايدن، ولذا هم سيُصوتون لصالح ترامب.
وبانتظار انتهاء التصويت، يرجّح مصدر أمريكي مسؤول، أن النتائج ستتأخر لعدة أيام. فيما تفيد المعلومات من المدن الأمريكية عن استعدادات في الشوارع، لمواجهة موجات من العنف، وأن أصحاب المحلات أقاموا السدود الخشبية أمام محلاتهم، لحماية الواجهات من التكسير، في حال حصول أعمال شغب.
وتشير المعلومات أن ترامب لن يعترف بالخسارة، وسيقدم عدة طعون بالنتائج، في حال كانت لصالح بايدن. ويضع البعض مصادقة الكونغرس على تعيين مرشحة ترامب، القاضية المحافظة أيمي كوني باريت، عضواً في المحكمة العليا في الأسبوع الأخير قبل الانتخابات الرئاسية، وتكريس هيمنة اليمين على أعلى سلطة قضائية في البلاد، وكذلك اختياره أكثر من الف محام وتوزيعهم على كافة الولايات في هذه الخانة واستعداداً لمرحلة قد تشهد نزاعاً قضائياً طويل الأمد.
أما المتفائلون فيقولون أن لا شيء سيحصل، أياً يكن الفائز، مع ترجيحهم لفوز ترامب، وبقائه في البيت الأبيض للأربع سنوات القادمة.