الحب والخير والجمال طاقات النور وكوامن البهجة والرضا للنفس البشرية والطفل الذى تربى على صياغة الجمال داخل حواسه لن يصبح شابا منحرفا، ولن يستطيع الإرهاب الفكرى أن يلوث إحساسه بالإنسانية، ولن تستطيع صعوبات الحياة أن تخرجه من تحضره، وعلى المجتمعات أن تدرك أن الانحراف السلوكى انعكاس طبيعى لشوائب وممارسات مجتمعية، وعليها أيضا أن تعلن بكل شفافية وجرأة مسئوليتها الكاملة؛ لأن الانحراف نتيجة وليس وباء، فهو نتيجة واقع مضطرب تتفاعل فيه عناصر متناقضة تحمل في مفرداتها معطيات سلبية، تنعكس على الأطفال
والشباب؛ فيخرجون من براءة بكارتهم الفطرية إلى مجاهل سلوكية منحرفة كفراشات أرادت أن تطير في فضاء الدخان اعتقادًا منها أنها سماء، وأن رغبة الشاب وميوله للانحراف لا يمكن فصلها عن المواقف والأحداث التى تعرض لها في حياته، كما أن العامل النفسى في شخصيته يسهم في إقباله على العنف، لأن المقومات الشخصية تسبق العادة وتسبق الطقوس العدوانية التى تتناغم داخلها الحواس وتسبح في عالمها الافتراضى، فيشعر بالقوة ونشوة العنف، كذلك القصور في تقدير ذاته وعجزه عن تحقيق إنجاز ودرجة استجابته في التفاعل والانسحاب تختلف من شاب لآخر ومن بيئة لآخرى، وعلى المجتمع أن يتحد في تجفيف منابع العنف والكراهية، حتى ينتشر السلام الاجتماعي بين أطفالنا، شباب الغد، أولادنا بحاجة إلى مناخ عائلى هادئ وسلطة أبويه عادلة؛ حتى لا يفقدوا إحساسهم بالأمان والأمل بالمستقبل؛ لأن عدم التوازن في الحياة الأسرية يجعلهم يهربون من حدود الأسرة بحثا عن أجواء بديلة، اعتقادا منهم بأنها أكثر أمنا واستقرارا، دون أن يدركوا أنهم انتقلوا من عالم حقيقى إلى عالم افتراضى أصابهم بالإدمان، فالعنف إدمان ومحاكاة البطولة الوهمية إدمان والتنمر مع الآخر إدمان والتوحد مع وسائل التواصل الاجتماعي إدمان وعدم وجود منافذ للرؤية والتعبير عن طاقات الشباب إدمان والتلوث السلوكى والجدلية المجتمعية إدمان، ونحن بلا قصد وبجهل منا أعطينا أبناءنا أول جرعة من جرعات الإدمان، لأن اضطراب السلوك المجتمعى يعتبر أول جرعة يتناولها المدمن، وأن الأم التى أرضعت طفلها سموم العنف، اعتقادا منها بأنها تصنع شابا قويا قادرا على افتراس صعوبات الحياة لم تدرك أنها أعطت طفلها أول جرعة من جرعات الإدمان، لأنها أنشأت وحشًا كاسرًا انسحب داخل ذاته، ولن يكتفى هذا الوحش بمهاجمة الآخرين، بل سيفترسها في يوم ما، وأن المدرسة التى أغفلت من ذاكرتها الثقافية جماليات الموسيقى والرسم وحب الحياة وقامت بتهميش دور الفنون، وجعلت من طلابها مسوخا بشرية خالية من البهجة تحتسى دخان أتربة العقول وغلظة القلوب، مسوخا بشرية غير مدربة على قبول الآخر وغير قادرة على الإدراك والفهم والتحليل، هذا النمط التعليمى هو أول جرعة من جرعات الإدمان.
وإن غياب المنتج الإعلامى واستبداله بالمنتج الإعلانى في ظل غياب الإعلام الوطنى عن دوره الحقيقى في بناء الشخصية المصرية وتركيز هذا الإعلام البديل على برامج الطبيخ والأبراج وحلبات المصارعة في برامج التوك شو ودراما العشوائيات جعل الأطفال والشباب يتوحدون مع إعلام آخر بديل، وهو منصات شبكات التواصل الاجتماعي، نافذة الرؤية الحقيقية لهم، وهذا الغياب الإعلامى وعجزه في التواصل مع الشباب وتهذيب أفكاره وغرس روح الانتماء، من خلال المشاركات التفاعلية معهم، هذا الغياب الإعلامى بمثابة أول جرعة من جرعات الإدمان، وأن جعل الشباب فريسة للشائعات وعدم تدريبه على كيفية الوصول للمصدر الحقيقى للخبر، يعد أول جرعة من جرعات الإدمان في ظل غياب منصات المعلومات الرسمية للدولة، وأن نظرة المجتمع الدونية للتعليم المهنى ولهثه نحو كليات القمة، ذلك المسمى الخاطئ، التى تتداوله الألسنة دون وعى، بحاجة المجتمع لسوق العمالة أفقد المجتمع رئته النابضة بكفوف أسطوات مصر المحروسة، الذين صاغوا بفنونهم اليدوية وجه مصر الحضارى، جعل المجتمع فريسة لظواهر ناتجة عن هذه النظرة الدونية للتعليم الفنى فبدأ يتخبط بين أرجل التكاتك، التى أفرغت ورش ومصانع مصر من عمالها وحولتهم من طاقة إيجابية إلى طاقة سلبية تنشر التلوث والانحراف في أرجاء مصر المحروسة، وتلك النظرة الدونية للتعليم الفنى هى أول جرعة من جرعات الإدمان.
وأخيرا لا بد أن نوجه رسالة لكل أطياف المجتمع، ازرعوا الأمل في قلوب الأطفال والشباب، افتحوا نوافذكم لإبداعهم، علموهم تاريخ مصر، اجعلوهم يفتخرون بأنهم مصريون، فمصر دولة عظمى في رقيها، ومصر دولة قوية بشبابها، وإذا صادفنا يوما شابا مصريا أعياه الانحراف فلا تلوموه، بل لوموا أنفسكم لأنه ضحية زمن البلاستيك والأسطورة وعبده موتة، وحمو بيكا، وإن مشهدا واحدا للعنف والقتل في عمل درامى أكثر تأثيرا على الشباب من مناهج التربية والتعليم منزوعة الدسم.