بتاريخ 14 اكتوبر الماضي، وبالصدفة البحتة، وقعت عيني على خبر بموقع الكتروني شهير، يعلن قرب قيام هوليوود بإخراج فيلم جديد عن حياة الملكة المصرية كليوباترا السابعة، وحتى نُفوت الفرصة على أصحاب النوايا السيئة والأهداف المسيئة لحضارتنا، فلابد أن نعي جيدًا مصرية هذه الملكة 100% رغم عِرقها اليوناني المقدوني، لأن ولاؤها الوحيد كان للدولة التي حكمتها، إذ تعتبر من أشهر الملكات في تاريخ الأسرة المقدونية التي حكمت مصر على مدار ثلاثة قرون، وانتهى حكمها بالاحتلال الروماني.
صحيح أن هناك عدد لا يُحصى من الأفلام التي تم إنتاجها عن كليوباترا السابعة، جسدها مشاهير من نجوم السينما العالمية مثل: إليزابيث تايلور، وصوفيا لورين و فيفيان لي ، وكاتي بيري، ومونيكا بيلوتشي، و كلوديت كولبير، و ليونور فاريلا و أماندا بارى.
لكن الفيلم المزمع إنتاجه، والذي يحمل عنوان “كليو باترا”، أثير حوله العديد من التساؤلات المشروعة – طبعًا – نظرا لهوية بطلته، إذ أنها كانت مُجندة سابقة في جيش الاحتلال عام 2006، وشاركت في الحرب الاسرائيلية ضد لبنان، وتُدعى “جال جادوت”، مواليد أبريل 1985، سبق لها العمل كعارضة أزياء، ودخلت عالم السينما من باب الجمال رغم تواضع موهبتها الفنية.
دافعت جال جادوت عن حق إسرائيل في قصف الأبرياء بقطاع غزة أكثر من مرة وبشكل مستميت، وكتبت تقول: “أرسل محبتي وصلاتي لمواطني إسرائيل، وسوف ننتصر”……!!
لها فيلم شهير بعنوان “المرأة الخارقة” تم عرضه عام 2017، ومُنع عرضه في لبنان، وهو ذات الفيلم الذي أعلن المدعو عمرو واكد الانضمام إلي أبطال الجزء الثاني منه في نوفمبر 2019، الأمر الذي أثار غضب المهتمين بهذا المجال منه، واتهموه – وعندهم ألف حق وحق – باتهامات تليق بما ارتكبه مؤخرًا من جرائم بحق مصر وشعبها ترتقي لمستوى الخيانة العظمي.
فكرة اختيار “جادوت” لدور “كليوباترا” تحمل الكثير من علامات الاستفهام كممثلة ذات موهبة متواضعة – كما أشرنا – وذلك عندما تُقارن بالنجمة الراحلة إليزابيث تايلور التي أدت نفس الدور في هذا العمل عام 1963، وحصل على أربع جوائز أوسكار، وهذا يؤكد على أن عملية الاختيار لتلك الممثلة غريب وغير مبرر، خصوصًا كونها إسرائيلية الجنسية، وتقدم دور امرأة حكمت مصر…..!!
ومن اللافت حول إنتاج أعمال فنية من هذا النوع، أن “جادوت” ومن خلفها شركة الإنتاج وفريق العمل، طرحوا مؤخرًا فيلم “وفاة على ضفاف النيل”، وهو مقتبس عن رواية بنفس الاسم للكاتبة الأشهر في عالم الروايات البوليسية على الإطلاق “أجاثا كريستي”، والتي نُشرت عام 1937، وهناك نسخة قديمة منه تحت عنوان “جريمة على ضفاف النيل” عرضت كفيلم عام 1978، من إخراج جون جويلر وحقق وقتها أرباحًا قدرت بـ 14,560,084 دولار أمريكي، ويعتبر الفيلم امتدادً لجزء سابق بعنوان “جريمة في قطار الشرق السريع”، عن رواية بنفس الاسم لـ “أجاثا كريستي” وعُرض أيضًا في نوفمبر عام 2017، يُجسد المخرج كينيث براناه في “جريمة على ضفاف النيل” و”جريمة في قطار الشرق السريع” شخصية المحقق هركيول بوارو.
وبكل صراحة، لا أنكر على قارئي العزيز بأنني كنت سعيدًا أن يتم تصوير مثل هذه الأفلام هنا على أرضنا لأسباب عديدة، منها تنشيط القطاع السياحي في ظل الظروف الراهنة، لكن ما أحزنني فعلًا وجعلني أتوخي الحذر من سوء نية شركة إنتاج الفيلم وفريق العمل والهدف منه، تلك الجملة التي علق بها بطل العمل هركيول بوارو في أو مشهد على المنظر الساحر للأهرامات الثلاثة عندما قال بالحرف: “رومانسية الصحراء لديها القدرة على الإغواء”، ثم يسأل قائلاً: “هل أحببت كثيرًا من قبل، للدرجة التي تمكنت فيها الغيرة من دفعك للقتل”…..!!
نعود مرة أخرى لفيلم “كليو باترا” لنلقي الضوء على كلام بطلته “جادوت” فور إعلان اختيارها للقيام ببطولته، في تغريدة لها عبر “تويتر”، قائلة: “إن قصة كليوباترا في الفيلم الجديد ستكون مختلفة عن الإصدارات السابقة، لأنها ستحكي قصة ملكة مصر من خلال أعين نساء أخريات……!!، وهنا نلاحظ تكرار الأفلام القديمة المرتبطة بالحضارة المصرية، ومن خلال نفس الوجوه اليهودية المتعصبة، لا لشئ سوى لتزوير التاريخ والحضارة والطعن في العقيدة، ففي عام 1963 أنتجت السينما الهوليوودية فيلم كليوباترا بطولة اليزابيث تايلور، نجح الفيلم وحقق ايرادات بلغت 57 مليون دولار، ودار حوله جدلًا واسعًا في هذا التوقيت رغم فوزه بأربع جوائز.
ومن باب العلم بالشئ، فـ “تايلور” رغم أنها تحمل الجنسية البريطانية ثم الأمريكية، إلا أنها اعتنقت اليهودية أثناء زواجها من المطرب اليهودي الشهير إيدي فيشر ( زوج صديقتها المقربة ديبي )، وبدأت صراحة تؤيد الكيان الصهيوني ضد العرب بشكل علني، الأمر الذي جعل الزعيم الراحل جمال عبد الناصر يرفض عرض الفيلم في مصر، ومع مرور الوقت وانتصارنا في حرب اكتوبر العظيمة 1973، ظهرت “تايلور” في القاهرة بصحبة السيدة جيهان السادات مرة، وأخرى في ضيافة الرئيس الراحل أنور السادات في الاسماعيلية……!!
أما عن فيلم “المومياء” بأجزائه الثلاثة، فيقدم المجتمع المصري في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي وقد امتلأ بالتخلف وعدم الرقي في التعامل مع الغير، كما يظهر المصريين بأنهم اعتادوا على التعاون مع قوى الشر من أجل كسب المال والفوز بالملذات……!!
ولا يختلف فيلم “الآلهة والملوك” .. أو “Gods and King”، كثيرًا عن سابقه في الطعن بالعقيدة، ففي هذا العمل المغلوط، يظهر بطل العمل في مشهد مُسِئ وهو يخاطب طفلاً بشكل غير لائق وبصوت مرتفع، بدلاً من أن يخاطب رب العزة جل وعلا بحسب ما جاء في قرآننا الكريم……!!
نضف إلى ذلك أن القائمين على الفيلم تعمدوا إظهار سيدنا موسي ( عليه السلام ) وهو يقول لفرعون أن اليهود مصريين، في حين ينفي فرعون كلام سيدنا موسى، والحقيقة التي أظهرتها ( أنا العبد لله ) في مؤلفي “توت عنخ آمون.. والحقيقة الغائبة” أن أقدام اليهود لم تطأ أرض مصر إلا وقت قصير جدًا وسرعان ما ُطُردوا منها شر طردة بسبب تآمرهم على المصريين، وهذه قصة كبيرة ليس لها مجال في السرد هنا، ورسالة الفيلم باختصار شديد، في منتهي الخطورة، لأنه يتعمد تزوير التاريخ من خلال سرقة حضارة كاملة لأمة من أعظم الأمم (مصر) لينسبها إلى اليهود……!!
وهو ذات الهدف الذي من أجله تم إنتاج فيلم “الوصايا العشر”، الذي يحكي قصة مُختلقة عن نبي الله موسى – عليه وعلى نبينا الحبيب وبقية أنبياء الله أفضل الصلاة والسلام – منذ 100 عام تقريبًا، وخروج اليهود من مصر بعد معاناتهم مع فرعون ( رمسيس الثاني ) ومطاردته لهم إلى أرض الميعاد، وتلقي النبي موسى للوصايا العشر في ألواح التوراة عند طور سيناء، كما يتناول الفيلم أيضا قصة عبادة اليهود للعجل الذهبي الذي صنعه السامري في غياب النبي موسى…….!!
مثل هذه الأفلام وغيرها تستهدف: عقيدتنا وحضارتنا وتاريخنا و…. وهو أيضا نفس سيناريو التزييف الخبيث الذي تحاول إسرائيل ترويجه بأنها هي التي انتصرت في حرب اكتوبر العظيمة 1973، وهنا تكمن المأساة أو الكارثة، لأن الافلام اليهودية – بما لها من امكانات: فنية ومالية واعلانية جبارة – تحتاج إلى مجهود غير عادي من الدولة والقطاع الخاص الوطني للتصدي لمثل هذه الحملات الممنهجة ضد مصر.
لذا أطالب أصحاب القرار أن ينتبهوا لمثل هذه الأعمال الأجنبية الخطيرة التي تستهدف عقيدتنا وحضارتنا وتاريخنا و….. وغيرها من الأعمال المحلية التى ساهمت فى القضاء على قوتنا الناعمة بسبب اقتحام “الأرزقية” لهذا المجال الخطير، فالفن الذى عرفناه وتابعناه لوقت طويل من خلال فنانينا العظام، كان وسيظل رسالة سامية تُسهم – بشكل أو بآخر – فى دعم اقتصادنا وترتقى بذوقنا العام ولا تهدمه، وحتى أكون منصفًا.. فهناك دراما تستحق منا الإشادة والتقدير لكل من ساهم فيها وهى كثيرة مثل: مسلسل الاختيار وفيلم الممر، والرصاصة لاتزال في جيبي، والناصر صلاح الدين، لكن على الجانب الآخر توجد دراما هابطة أساءت إلينا جميعًا، فعرضت مصر وكأنها: «فتيات ليل» و«تجار مخدرات وأسلحة» و «بلطجية» و«خونة»……!!
ختامًا.. رحم الله أساتذتنا الذين علمونا إن «أهم ما يميز الكاتب الوطنى عن غيره.. هو العمل على تواصل الأجيال مع بعضها البعض».. وحذرونا من أن «انحراف الكاتب عن هذا الهدف الذي يخدم وطنه ومواطنيه، سيؤدى حتمًا إلى ضياع مجتمعه وطمس هويته والقضاء على لغته وثقافته».. وحتى لا يكون كلامنا مجرد تنظير.. فإننى أنصح بمشاهدة الأفلام العالمية للسينما «الهوليودية» و«البوليودية» لنعرف الفرق بين الدراما التى تبنى وتسهم فى الحفاظ على التقدم والارتقاء والأمن القومى لبلادها.. والدراما التى تهدم كل هذه المعانى الجميلة بدافع: العمالة أو الخيانة أو لمتاع دنيوى زائل…..!!