شهد القرن الثامن عشر الميلادي ظهور المذهب التجريبي الذي اعتمد علي اكتساب المعرفة عن طريق الملاحظة والتجربة والعلاقات السببية، وظهر مجموعة من المفكرين والفلاسفة العظام مثل “ديفيد هيوم” و”إيمانويل” و “فولتير” و “مونتسكيو” و”جان جاك روسو” الذين نهضوا بعبء الدفاع عن الحرية في مختلف ميادينها، ومنها حرية الرأي والتعبير محاولين إسناد هذه الحريات إلي أفكار من القانون الطبيعي وفكرة العقد الاجتماعي للتدليل علي التصاقها بالإنسان، وقد أدي كل ذلك إلي تحول في الفكر السياسي، ولم تعد السلطة تتدفق من أعلي إلي أسفل كما كان سائدا بالقرون الوسطي، ولم يعد مطلوبا من المواطنين العاديين الطاعة العمياء بدون مناقشة، وانتقلت السلطة في بعض أجزاء العالم من الملوك إلي الشعوب. ففي عام ١٧٧٦ تم إعلان استقلال المستعمرات الأمريكية عن الحكم البريطاني بعد أكثر من خمس سنوات من الحروب ، ثم تأسست دولة الولايات المتحدة الأمريكية عام ١٧٨٩، واستمد الدستور الأمريكي الكثير من نصوصه من أفكار الفيلسوف البريطاني “جون لوك”. وفي العام نفسه ١٧٨٩ قامت الثورة الفرنسية متخذة من أفكار الفلاسفة الذين سبقوها هديا لرفع الظلم والقهر الذي ران علي الإنسان طوال العصور السابقة. ومع تغير نمط السلطة جاء حق الناس في اختيار الحكام وتنحيتهم عند إساءة استخدامهم للسلطة الممنوحة لهم من شعوبهم، وإذا ما فرطوا في المسئولية الملقاة علي عاتقهم تجاه توفير الحياة الكريمة لمواطنيهم، ثم امتد ذلك إلي حق الناس في انتقاد من يتولون مسئوليات عامة. أسفر التطور السريع لوسائل الاتصال والمواصلات خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، وشيوع الأفكار والحركات التحررية في أجزاء شتي من المعمورة، وما تعرض له العالم من ويلات الحربين العالميتين، أسفر كل ذلك عن ميلاد منظمة الأمم المتحدة عام ١٩٤٥، وصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام ١٩٤٨ ، ونصت المادة التاسعة عشرة من هذا الإعلان علي ” لكل إنسان الحق في إبداء آرائه دون تدخل، والحق في حرية التعبير، بما في ذلك الحق في حرية استقاء المعلومات أو الأفكار، وتلقيها، ونقلها، بغض النظر عن الحدود الجغرافية”;.
وللحديث بقية.