(الحلقة الثانية)
وفقاً لتقرير المركزية للإحصاء، يبلغ عدد الأُسر اللبنانية مليون و 267 الف أُسرة، منها 222 الف أسرة يبلغ عدد أفرادها فوق 6 أشخاص وتُصنف بغالبيتها أُسر فقيرة. أمّا من الناحية الاجتماعية، فهناك 141 الف أسرة ترأسها إمرأة، بعمر فوق 60 سنة وتُصنف محتاجة أيضاً.
وفقاً لبرنامج وزارة الشؤون الاجتماعية لدعم الأُسر الأكثر فقراً، تم تقديم 184 الف طلب، ووضعت الوزارة 64 معياراً لتحديد الأسر التي يمكنها الحصول على المساعدة، وبلغ عدد الأسر المستفيدة من البرنامج 104 آلاف أُسرة.
يُقدّر حجم المبلغ الذي يُقدّمه مصرف لبنان لدعم أسعار، المحروقات والطحين والدواء وبعض السلع الغذائية، بنحو 500 مليون دولار شهرياً، يذهب معظمها وفقاً لعدة تقارير، إلى جيوب التجار والمهرّبين، كما يستفيد منها الأغنياء أكثر من الفقراء خاصة الذين لا يملكون سيارات.
معظم السلع في الأسواق اللبنانية، يتم احتسابها من قِبل التجار وفقاً لسعر صرف الدولار في السوق السوداء لحظة بلحظة، وفي حال تراجع سعر صرف الدولار، فلأسعار لا تتراجع إطلاقاً، ورقابة الدولة غائبة تماماً. كما أن السلع المدعومة غير موجودة في المحال والسوبرماركات، وتختفي بسرعة قياسية إلى مخازن المحتكرين وأيدي المهربين، ويكاد الفقراء لا يستفيدون منها إطلاقاً.
بعد انتشار وباء كورونا زاد عدد الأُسر المحتاجة، خاصة أصحاب الدخل المحدود، الذي هو أقل من مليون ليرة. ويُقدّر عدد الأسر المحتاجة للدعم، بنحو 400 الف أسرة، وفي حال تم توزيع 125 دولار شهرياً (أي ما يعادل مليون ليرة تقريبا وفقاً لسعر الصرف في السوق السوداء) لكل عائلة، سيكون المبلغ المطلوب هو 50 مليون دولار شهريا. أي أن ما يتم إنفاقه حالياً على الدعم في شهر واحد، سيكفي برنامج دعم هذه الأسر لمدة عشرة أشهر .
أما النتائج الإيجابية الأخرى لهذه الخطوة، ستتمثل بِضخ هذه الدولارات في السوق، من قِبل المصرف المركزي على يد السكان، مما سيؤدي حتماً إلى تراجع سعر صرف الدولار، وإلى مزيد من الاستقرار في السوق المحلي. أمّا النتيجة الأهم من ذلك، أن الدعم ستستفيد منه فعلا العائلات اللبنانية المحتاجة.
عند اتخاذ هذه الخطوة من قبل الدولة اللبنانية، سيتوقف النزف السريع لما بقي من دولارات في البنك المركزي، ولتجنّب لبنان تجرُّع الكأس المرة، في الاختيار بين وقف الدعم كلياً، أو استخدام الأحتياطي الإلزامي للبنوك، والذي هو أموال لا يجوز التصرف بها، كونها ملكاً للموعدين وليس للدولة.
كان يجب على الحكومة والمسؤولين، وفي مقدمتهم وزير المالية، وحاكم المصرف المركزي، ووزير الشؤون الاجتماعية، وضع خطة لدعم الأسر المحتاجة. لكن الآن أصبح الوقت داهماً وملحاً، ويجب على الحكومة والمجلس النيابي وضع هذا الأمر موضع التنفيذ حالاً، قبل الوصول إلى الكارثة الكبرى.
لا يمكن الاستمرار في سياسة الدعم الحالية، والتي باتت عملية دعم وهمي، وسرقة لدولارات المصرف المركزي والمودعين، يستفيد منها السماسرة والتجار والمهربون. كما أنها لا تُفرّق بين غني وفقير أو محتاج، ومن الواضح أنها ستؤدي إلى الأنهيار الكبير للمالية والاقتصاد.
بالأمس اجتمع المجلس النيابي لمناقشة موضوع الدعم، وخرج بمهزلة مؤسفة، حيث لم يكن لديه خطة أو أي مشروع للمناقشة، واكتفى باستعراض الخُطَب وتقاذف التُهم بين الكتل النيابية وخرج بكفي حُنين.
مؤسف هذا المشهد من التخبّط والشلل، بدءاً من البرلمان، إلى الحكومة، إلى المصرف المركزي، والقضاء، وكل إدارات الدولة، وكأن الجميع باتوا مغلوباً على أمرهم ، ومرتهنين لتجار الدواء والطحين والمحروقات والمهرّبين والسماسرة وحُماتهم، أو أن هؤلاء هم الدولة الحقيقية التي تحكم لبنان .
الحلول بسيطة وممكنة وموجودة، لكنها تحتاج إلى المخلصين الذين يحرصون على مصلحة الشعب لتنفيذها، وليس إلى هواة المناصب، والباحثين عن حصص مادية وطائفية، في وطنٍ يحتضر في قعر الهاوية، فيما هم يختلقون الحجج ويتبادلون الشروط المضحكة المبكية، لعرقلة تشكيل الحكومة، وتنفيذ أي إصلاح.