استعرضنا في المقالات السابقة التطور التاريخي والفلسفي لحرية الرأي والتعبير، وخلصنا إلي أن هذه الحرية حق لكل مواطن، تكفلها المواثيق والمعاهدات الدولية والنصوص الدستورية والقانونية، كما يجب التأكيد علي أن حرية الرأي ليست ومطلقة، إذ أن ممارسة هذه الحرية تتطلب واجبات ومسئوليات لبعض الشروط التي يحددها القانون، والتي تعد في المجتمعات الديمقراطية تدابير ضرورية لحفظ سلامة الوطن وأراضيه والأمن العام، وحماية النظام، ومنع الجريمة، وحماية الصحة والأخلاق، وحماية حقوق الآخرين وسمعتهم، ومنع إفشاء المعلومات السرية، وضمان سلطة الهيئات القضائية ونزاهتها. لقد وضعت منظمة اليونسكو عام ١٩٩٥ وثيقة التسامح، واعتمدت في صياغتها علي ميادئ حقوق الإنسان. نصت الوثيقة علي أن معني التسامح هو الاحترام وقبول الآخر بكل ما يرتبط به من ثقافة وسلوك ودين وعرق وغيرها من الاختلافات بين الناس. والتسامح لا يعني التنازل من طرف لآخر، بل هو موقف يعتمد علي الاعتراف الكامل والمطلق بحقوق وحريات الطرف الآخر، والتسامح هو الحل الأمثل لتحقيق مطالب حقوق الإنسان، والديمقراطية، والتعددية، والتشاركية، وهو ينبني علي الإقرار بحقيقة وجود الاختلاف والتنوع. كما أن التعليم في مجال التسامح يجب أن يستهدف مقاومة العوامل المؤدية إلي الخوف من الآخرين واستبعادهم، ومساعدة النشء علي تنمية قدراتهم علي استقلالية الرأي، والتفكير النقدي والإبداعي. والتسامح قيمة دينية وأخلاقية، فالأديان لم تكن أبدآ باعثة لمشاعر الكراهية والعداء والتعصب، أو مثيرة للعنف وإراقة الدماء، فهذه المآسي حصيلة الانحراف عن التعاليم الدينية، ونتيجة استغلال الأديان في السياسة. إن الحرية حق لكل إنسان، اعتقادآ وفكرآ وتعبيرا وممارسة، والتعددية والاختلاف حكمة لمشيئة إلهية، قد خلق الله البشر عليها، وجعلها أصلا ثابتا تتفرع عنه حقوق حرية الاعتقاد، وحرية الاختلاف. إن الحوار والتفاهم ونشر ثقافة التسامح وقبول الآخر والتعايش بين الناس، من شأنه أن يسهم في احتواء كثير من المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئية التي تحاصر جزءا كبيرا من العالم. وحيث أن مفهوم المواطنة يقوم علي المساواة في الحقوق والواجبات التي ينعم في ظلالها الجميع بالعدل ، لذا يجب العمل علي ترسيخ المواطنة الكاملة في مجتمعاتنا باعتبارها السبيل الواجب اتباعه لتوفير الحياة الكريمة للجميع.