– احمد حلمى من الفنانين القلائل فى مصر الذين شهدوا صعودا كبيرا .. حتى صار متصدرا لنجوم الشباك .. يكفى أن الجمهور ينتظر فيلمه الجديد و بتابعه من قبل نزوله .. و هذا يحمل الفنان مسئولية كبيرة لاختيار الأفضل …
– عودنا ” حلمى ” على نوعية من الأفلام التي تحمل كم من الإضحاك مع فكرة جديدة و مبتكرة و نجح في ذلك .. و نجاحه يطارده كلما صنع فيلما جديدا .. أما ” على جثتي ” فلم يستطع أن يقدم فيه أيا من الأمرين ..
– بداية الفيلم تجعلك تفكر .. ماذا لو اتيحت لك الفرصة للإطلاع على ما يخفيه الناس من مشاعر نحوك ؟! .. هى فكرة مثيرة لكن للأسف .. سرعان ما تتوه مع أحداث الفيلم ..
– فالفيلم يقدم شخصية المدير الذي لا يثق فى احد و ( يتوهم ) سوء النية فى تصرفات كل من حوله ( رجل المرور – موظفيه – زوجته و ابنه ) .. بعد أن يقع فى غيبوبة اثر حادث ينفصل عن جسده و يصبح روحا هائمة ترى أفعال الناس …
– الفكرة رائعة رغم تكرارها بالعديد من الصور .. و العناصر الجيدة متوفرة من ممثلين و تصوير و جودة صورة .. كنا على وشك أن نحصل على فيلما متكامل العناصر لولا حالة الارتباك الشديدة فى البناء الدرامي للسيناريو الذي كتبه د / تامر إبراهيم الذي اشتهر بكتابة روايات الرعب و هذا هو السيناريو الأول له فى السينما .. و الذي لم يكن بداية موفقة فى اغلب الأحوال حيث يحمل كل مساوئ التجربة الأولى ، برغم الاقتباس من العديد من الأعمال الغربية إلا انه لم يكن اقتباسا ناجحا مقارنة بأفلام ” حلمى ” المقتبسة مثل ( آسف على الإزعاج و ألف مبروك ) ..
– حتى أن الاقتباس ظهر فى بعض مشاهد الفيلم مثل فكرة الجلوس فى أماكن غير متوقعة ( فوق بانر الإعلانات ) و هى مأخوذة من فيلم ” city of angels ” و المستفز هو فجاجة الإعلان .. فكان مقحما .. ربما كدعاية للشركة التي قام حلمى بإبرام عقود معها سواء بطولته لإعلاناتها أو إظهار منتجاتها في أفلامه من خلال تعاقدها مع شركته الإنتاجية ( شادوز للإنتاج الفني ) المشاركة فى إنتاج الفيلم ..
– كان هناك إمعان فى تعقيد الفكرة حتى الوصول إلى إضعافها .. ليخرج فيلما ثقيلا على المشاهد .. فهو لم يفهم و بالتالي لم يضحك كثيرا .. برغم كثافة ما يحمله الفيلم من معاني فلسفية ..
– الفيلم كان من الممكن أن يأخذ خيطا دراميا واحدا وهو أن الرجل المتشدد بعد موته يصبح شبحا فيفاجئ بالأحداث و كيف انه كان مخطئا فى كل شئ بسبب سوء ظنه بالآخرين فيبدأ فى تعديل المسار .. و برغم تكرار الفكرة كان من الممكن أن يختلف التناول لنخرج ببناء درامي متسق .. أما ما حدث فهو مزج غير مفهوم بين كون البطل فى الأساس يتوهم تصرفات سيئة النية تجاه من حوله منذ بداية الفيلم و بين ” حالة الخروج من الجسد بعد الغيبوبة ” ( و هي معروفة ) .. و ما تتيحه هذه الحالة من أن يرى واقع فعلى عن ردود فعل الأشخاص المحيطين به نحو شخصيته المتشددة .. ثم توالت الأحداث مرتبكة فلما استقرت على فكرة ( أن هذه تخيلات رجل مريض بالشك ) عادت الأحداث لتنبئ أن ما رآه كان حقيقيا .. و هكذا تظل طوال أحداث الفيلم تطارد الأفكار و تحاول أن تمسك خط درامي موحد .. و تفشل في ذلك فشلا مؤسفا !!
– بالرغم من ذلك فالفيلم يحمل صخب من الأفكار الفلسفية العميقة و وجهات نظر عديدة قدمت بطريقة متعجلة فكل فكرة تحتاج في معالجتها إلى فيلم منفرد .. أفكار عن الخوف و هل المهم أن يخاف منك الناس أم يحترموك و يحبوك .. أفكار عن ضرورة أن تثق فى الناس لا أن تراقبهم طوال الوقت .. أفكار عن القانون و روح القانون .. أفكار إنسانية عن أن الإنسان يحتاج أحيانا إلى الاهتمام و الرعاية ليحي من جديد ( وردت فى جمل حوار سريعة ) …
– الفيلم ملئ بكثير من الأمور المبهمة .. بغض النظر عن حالة عدم الفصل بين الواقع و الخيال ( و التي كان من الممكن أن تعالج فى المونتاج بوضع تأثيرات معينة على بعض المشاهد تؤكد لك و تشعرك ما هو الواقع و ما هو الخيال ) إلا انه يخرجك متسائلا .. هل زوجته تحبه أم تخونه أم خانته ثم أحبته أم انه تخيل إنها تخونه و هي فى الحقيقة لم تفعل .. هل موظفوه أحبوه أم كرهوه ( حتى بعد أن تغيرت معاملته معهم إلى الأحسن ) .. هل كلبه ميت أم حي ( فنحن نراه في بداية الفيلم غارق فى دمه ما استعدى رءوف ( احمد حلمى ) أن يذهب ليحضر الدكتور بسيارته و يقع بها فى النيل – إذا فمن المفترض أن الكلب مات – و هو ما يؤكده مشهد آخر عندما ذهب إلى فيلته وهو روح هائمة و معه روح أخرى تعرف عليها وهو نوح ( حسن حسنى ) .. رأى الكلب يسير نحوه كأنه يراه فأخبر نوح انه ميت بالضرورة !! .. ليأتي فى النهاية ليستعين بالكلب فى إنقاذه عندما قرر الدكاترة فصل الأجهزة عنه .. لان الكلب لم يكن يتبع تعليمات احد سواه – إذا فالكلب حي لان زوجته و ابنه رأوه – .. و فى النهاية لا تدرى .. هل هو ميت أم حي ؟ ! ، حتى فكرة الغيبوبة التي كان يتعرض لها حلمي على فترات فهو يفيق أو يذهب فى الغيبوبة تبعا للضرورة الدرامية فقط فبدا الأمر غير منطقي ..
– مشهد إخراجه من المستشفى بمساعده موظفيه – الذين ارتدوا ملابس الأطباء – ( حيث لم تستطع الزوجة دفع تكاليف المستشفى ) مشهد ساذج .. فمن المستحيل أن يتم فصل الأجهزة عن رجل فى غيبوبة بين الحياة و الموت و يتم تحريكه ( بل و إيقاعه أيضا ) و يخرج من ذلك كله سليم و يقوم فى النهاية !! و يخرجون هكذا من المستشفى دون أن يستوقفهم احد .. سبحان الله !!
– المشاهد التي بها إسقاط سياسي ( أثناء تجول رءوف و نوح يذهبون إلى مجلس الشعب و مكتب الرئيس و هم طبعا أرواح لا يراهم احد ) و أيضا الافيهات السياسية كانت مقحمة , ساذجة و مباشرة و ليس لها ضرورة فى الأحداث .. و فى العموم كان هناك شعور بمحاولات الإضحاك التي لم تنجح كثيرا مع الجمهور .. و الافيهات اللفظية لم تكن مفهومة و كوميديا المواقف الناتجة عن سوء الفهم كانت استهلاكية و مكررة ( مشهد الدادة التي اعتقد أنها زوجته )
– أما عناصر الفيلم فكانت ضعيفة فى اغلبها :
– أفيش الفيلم ساذج و مربك أيضا ( مناسب للجو العام من عدم الوضوح )
– حتى ( تريلر ) الفيلم لا تفهم منه شيئا محددا ولا تدرى ماذا يريد أن يوصل ؟ فهو حتى لا يشدك لمشاهده الفيلم ولا يخلق لديك رغبة لاستكشافه ..أما اسم الفيلم فكان معبر جدا عن الأحداث …
– تقديم باهت للشخصيات و ادوار غير فاعلة كثيرة مثل موظفين الشركة : ادوارد و ايتن عامر و على الطيب و سامى مغاورى الذي غامر بمشواره الفني ..
– ضيوف الشرف باهتين انتقصوا من قامتهم الفنية سواء احمد السقا الذي ظهر بشخصيته الحقيقية مجددا و لم يضف جديد على الفيلم ، أو خالد أبو النجا الذي ظهر فى دور صديق البطل فكان دوره باهتا حتى انه كان من الممكن الاستغناء عنه بأي موديل إعلانات جديد !!
– بالرغم من أن ” حلمى ” كان له برنامج ناجح جدا مع الأطفال .. إلا انه لم ينجح فى خلق حالة محببة مع الطفل الذي ظهر فى دور ابنه في الفيلم .. ولا ندرى هل هذا راجع للسيناريو أم لاختيار الممثل ( الطفل الذي قام بالدور ) ..
– حيرني دور ( حسن حسنى ) .. و أثار تساؤل .. هل كثرة أعمال الفنان تضره أم تفيده ؟! .. حتى الدويتو بين حلمى و حسن حسنى وجدته مباراة فى الافيهات و الشو الكوميدي ..
– حتى حلمى نفسه لم يقدم جديدا فى الفيلم .. لم يكن سيئا أو اقل من المستوى .. لكن يبدو أن الورق لم يعطه فرصة اكبر مما قام به ..
– استعانة ” حلمى ” بغادة عادل في تجربته الثانية معها بعد ( جعلوني مجرما ) كانت استعانة ناجحة ، فهي فنانة جميلة و متألقة دائما أدت دورها كما ينبغي في ظل سيناريو ملئ بالسقطات الدرامية ..
– أما الإخراج فكان ضعيفا بالرغم من الاختيار الجيد لاماكن التصوير إلا انه كان هناك استسهال من جانب المخرج ” محمد بكير ” في أول أعماله السينمائية بعد عملين ناجحين بشهادة الجمهور في مجال الدراما التليفزيونية ” المواطن اكس و طرف ثالث ” فلا ندرى هل هو الاستسهال و التقصير أم لضعف الإنتاج و البخل في الصرف على عناصر الفيلم .. ( مشهد غرق السيارة كان ساذجا و أشبه بالكارتون و هذا راجع لمصممي الجرافيك بالضرورة .. كذلك مشهد ظهور ظل ” حلمى ” و ” حسن حسنى ” وهم في الأساس أرواح ليس لها ظل .. أمورا تبدو صغيرة لكنها مهمة جدا ) .. الموسيقى التصويرية عادية و زوايا التصوير لم تضف عمقا للفيلم بل سطحته فكان الممثلين يتراصون بجانب بعضهم في اغلب مشاهد الفيلم و هو أيضا راجع للتشكيل الحركي للمخرج ..
– أما مشهد النهاية فكان مبهم أكثر من الفيلم كله .. أطبق على نفسي و اخرجنى بمزيد من التساؤلات .. هل عاش ( حسن حسنى ) و فاق من الغيبوبة هو أيضا ؟! إذا فلماذا فقد الذاكرة ولم يتذكر ” حلمى ” ؟! .. و كيف صعدوا إلى ( بانر الإعلانات ) و هم ليسوا أرواح هذه المرة ؟! .. أم هي نهاية فانتازية ( يعنى نضحك و نروح و خلاص و لا إيه ) ؟!!!!!!
آه يا ” فكرة ” ما تمت خدها السيناريو .. و غرق !!!